سئل:عن زيارة ‏[‏القدس‏]‏ و‏[‏قبر الخليل عليه السلام‏]‏؟
 
/وَسُئِــل ـ رَحمه الله ـ عن زيارة ‏[‏القدس‏]‏ و‏[‏قبر الخليل عليه السلام‏]‏ وما في أكل الخبز والعدس من البركة، ونقله من بلد إلى بلد للبركة، وما في ذلك من السنة والبدعة‏.‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله، أما السفر إلى بيت المقدس للصلاة فيه، والاعتكاف أو القراءة أو الذكر، أو الدعاء، فمشروع مستحب، باتفاق علماء المسلمين‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا‏)‏‏.‏ والمسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه‏.‏ وفي الصحيحين عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام‏)‏‏.‏
وأما السفر إلى مجرد زيارة ‏[‏قبر الخليل‏]‏ أو غيره من مقابر الأنبياء والصالحين ومشاهدهم وآثارهم، فلم يستحبه أحد من أئمة المسلمين، لا الأربعة ولا غيرهم؛ بل لو نذر ذلك ناذر لم يجب عليه الوفاء بهذا / النذر عن الأئمة الأربعة وغيرهم؛ بخلاف المساجد الثلاثة، فإنه إذا نذر السفر إلى المسجد الحرام لحج أو عمرة لزمه ذلك باتفاق الأئمة، وإذا نذر السفر إلى المسجدين الآخرين لزمه السفر عند أكثرهم كمالك وأحمد والشافعي في أظهر قوليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏ وإنما يجب الوفاء بنذر كل ما كان طاعة؛ مثل من نذر صلاة، أو صومًا، أو اعتكافًا، أو صدقة لله، أو حجًا‏.‏
ولهذا لا يجب بالنذر السفر إلى غير المساجد الثلاثة؛ لأنه ليس بطاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏)‏ ‏.‏ فمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، فغير المساجد أولى بالمنع؛ لأن العبادة في المساجد أفضل منها في غير المسجد وغير البيوت بلا ريب، ولأنه قد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أحب البقاع إلى الله المساجد‏)‏، مع أن قوله‏:‏ ‏(‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏)‏ يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة، بخلاف السفر للتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك‏.‏ فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله فإنه هو المقصود حيث كان‏.‏
وقد ذكر بعض المتأخرين من العلماء‏:‏ أنه لا بأس بالسفر إلى /المشاهد، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا‏.‏ أخرجاه في الصحيحين، ولا حجة لهم فيه؛ لأن قباء ليست مشهدًا، بل مسجد، وهي منهى عن السفر إليها باتفاق الأئمة؛ لأن ذلك ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يجز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يستحب، كما يستحب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد‏.‏
وأما أكل الخبز والعدس المصنوع عند قبر الخليل ـ عليه السلام ـ فهذا لم يستحبه أحد من العلماء، لا المتقدمين ولا المتأخرين، ولا كان هذا مصنوعًا لا في زمن الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا بعد ذلك إلى خمسمائة سنة من البعثة، حتى أخذ النصارى تلك البلاد‏.‏ ولم تكن القبة التي على قبره مفتوحة، بل كانت مسدودة، ولا كان السلف من الصحابة والتابعين يسافرون إلى قبره ولا قبر غيره، لكن لما أخذ النصارى تلك البلاد فسووا حجرته واتخذوها كنيسة، فلما أخذ المسلمون البلاد بعد ذلك اتخذ ذلك من اتخذه مسجدًا، وذلك بدعة منهى عنها، لما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ ـ يحذر ما فعلوا‏.‏ وفي الصحيح عنه أنه قال قبل موته بخمس‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا / يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏
ثم وقف بعض الناس وقفًا للعدس والخبز، وليس هذا وقفًا من الخليل، ولا من أحد من بنى إسرائيل، ولا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من خلفائه، بل قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أطلق تلك القرية للدارميين‏.‏ ولم يأمرهم أن يطعموا عند مشهد الخليل ـ عليه السلام ـ لا خبزًا ولا عدسًا، ولا غير ذلك‏.‏ فمـن اعتقـد أن الأكل من هـذا الخبز والعـدس مستحب شـرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مبتدع ضال، بل من اعتقد أن العدس مطلقًا فيه فضيلة فهو جاهل‏.‏ والحديث الذي يروى‏:‏ ‏(‏كلوا العدس فإنه يرق القلب، وقد قدس فيه سبعون نبيًا‏)‏، حديث مكذوب مختلق باتفاق أهل العلم‏.‏ ولكن العدس هو مما اشتهاه اليهود‏.‏ وقال الله تعالى لهم‏:‏ ‏{‏أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 61‏]‏‏.‏
ومن الناس من يتقرب إلى الجن بالعدس فيطبخون عدسًا ويضعونه في المراحيض، أو يرسلونه، ويطلبون من الشياطين بعض ما يطلب منهم، كما يفعلون مثل ذلك في الحمام، وغير ذلك، وهذا من الإيمان بالجبت والطاغوت‏.‏
وجماع دين الإسلام‏:‏ أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويعبد/ بما شرعه ـ سبحانه وتعالى ـ على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ من الواجبات، والمستحبات، والمندوبات‏.‏ فمن تعبد بعبادة ليست واجبة، ولا مستحبة فهو ضال، والله أعلم‏.‏