فصــل: فيما حكي أنه إذا نزل بك حادث أو أمر تخافه فاستوحنى
 
فصــل
وأما ما حكى عن بعض المشائخ من قوله‏:‏ إذا نزل بك حادث أو أمر تخافه فاستوحنى، فيكشف ما بك من الشدة حيا كنت أو ميتا، فهذا الكلام ونحوه إما أن يكون كذبا من الناقل أو خطأ من القائل؛ فإنه نقل لا يعرف صدقه عن قائل غير معصوم، ومن ترك النقل المصدق عن القائل المعصوم واتبع نقلا غير مصدق عن قائل غير معصوم، فقد ضل ضلالا بعيدا‏.‏ ومن المعلوم أن الله لم يأمر بمثل هذا، ولا رسله أمروا بذلك، بل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ‏}‏ ‏[‏الشرح‏:‏ 7، 8‏]‏‏.‏ ولم يقل‏:‏ ارغب إلى الأنبياء والملائكة، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 56، 57‏]‏، قالت طائفة من السلف‏:‏ كان أقوام يدعون العزير، والمسيح، والملائكة، فأنزل الله هذه الآية‏.‏
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقل لأحد من أصحابه‏:‏ إذا /نزل بك حادث فاستوحنى، بل قال لابن عمه عبد الله بن عباس وهو يوصيه‏:‏ ‏(‏احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله‏)‏‏.‏
وما يرويه بعض العامة من أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سألتم الله فاسألوه بجاهى؛ فإن جاهى عند الله عظيم‏)‏، فهو حديث كذب موضوع، لم يروه أحد من العلم، ولا هو فى شىء من كتب المسلمين المعتمدة فى الدين؛ فإن كان للميت فضيلة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بكل فضيلة وأصحابه من بعده‏.‏ وإن كان منفعة للحى بالميت، فأصحابه أحق الناس انتفاعا به حيا وميتا‏.‏ فعلم أن هذا من الضلال، وإن كان بعض الشيوخ قال ذلك فهو خطأ منه، والله يغفر له إن كان مجتهدا مخطئا‏.‏ وليس هو بنبى يجب اتباع قوله، ولا معصوم فيما يأمر به وينهى عنه‏.‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏59‏]‏‏.‏