فصــل: هل يجوز تعظيم مكان فيه خلوق وزعفران
 
فصــل
وأما قول السائل‏:‏ هل يجوز تعظيم مكان فيه خلوق وزعفران؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم رؤى عنده‏؟‏ فيقال‏:‏
بل تعظيم مثل هذه الأمكنة واتخاذها مساجد ومزارات لأجل ذلك هو من أعمال أهل الكتاب، الذين نهينا عن التشبه بهم فيها‏.‏ وقد ثبت أن عمر بن الخطاب كان فى السفر فرأى قوما يبتدرون مكانا، فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ ومكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏‏!‏ أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد‏؟‏‏!‏ من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض، وهذا قاله عمر بمحضر من الصحابة‏.‏
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى أسفاره / فى مواضع، وكان المؤمنون يرونه فى المنام فى مواضع، وما اتخذ السلف شيئا من ذلك مسجدا ولا مزارا‏.‏ ولو فتح هذا الباب لصار كثير من ديار المسلمين أو أكثرها مساجد ومزارات؛ فإنهم لا يزالون يرون النبي صلى الله عليه وسلم فى المنام وقد جاء إلى بيوتهم، ومنهم من يراه مرارا كثيرة، وتخليق هذه الأمكنة بالزعفران بدعة مكروهة‏.‏
وأما ما يزيده الكذابون على ذلك، مثل أن يرى فى المكان أثر قدم، فيقال‏:‏ هذا قدمه، ونحو ذلك، فهذا كله كذب‏.‏ والأقدام الحجارة التى ينقلها من ينقلها ويقول‏:‏ إنها موضع قدمه كذب مختلق، ولو كانت حقا لسن للمسلمين أن يتخذوا ذلك مسجدا ومزارا، بل لم يأمر الله أن يتخذ مقام نبى من الأنبياء مصلى إلا مقام إبراهيم بقوله‏:‏ ‏{‏وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 125‏]‏، كما أنه لم يأمر بالاستلام والتقبيل لحجر من الحجارة إلا الحجر الأسود، ولا بالصلاة إلى بيت إلا البيت الحرام، ولا يجوز أن يقاس غير ذلك عليه باتفاق المسلمين، بل ذلك بمنزلة من جعل للناس حجا إلى غير البيت العتيق، أو صيام شهر مفروض غير صيام شهر رمضان، وأمثال ذلك‏.‏
فصخرة بيت المقدس لا يسن استلامها، ولا تقبيلها باتفاق المسلمين، بل ليس للصلاة عندها والدعاء خصوصية على سائر بقاع المسجد‏.‏ والصلاة والدعاء فى قبلة المسجد الذى بناه عمر بن الخطاب للمسلمين /أفضل من الصلاة والدعاء عندها، وعمر بن الخطاب لما فتح البلد قال لكعب الأحبار‏:‏ أين ترى أن أبنى مصلى المسلمين‏؟‏ قال‏:‏ ابنه خلف الصخرة‏.‏ قال‏:‏ خالطتك يهودية يابن اليهودية‏!‏ بل أبنيه أمامها؛ فإن لنا صدور المساجد‏.‏ فبنى هذا المصلى الذى تسميه العامة ‏[‏الأقصى‏]‏‏.‏ ولم يتمسح بالصخرة ولا قبلها ولا صلى عندها، كيف وقد ثبت عنه فى الصحيح أنه لما قبل الحجر الأسود قال‏:‏ والله، إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك‏.‏ وكان عبد الله بن عمر إذا أتى المسجد الأقصى يصلى فيه ولا يأتى الصخرة، وكذلك غيره من السلف‏.‏ وكذلك حجرة نبينا صلى الله عليه وسلم، وحجرة الخليل، وغيرهما من المدافن التى فيها نبى أو رجل صالح، لا يستحب تقبيلها ولا التمسح بها باتفاق الأئمة، بل منهى عن ذلك‏.‏ وأما السجود لذلك فكفر، وكذلك خطابه بمثل ما يخاطب به الرب، مثل قول القائل‏:‏ اغفر لى ذنوبى، أو انصرنى على عدوى، ونحو ذلك‏.‏