وَسُئِــل ـ رحمه الله ـ عن الدعاء عند القبر مثل الصالحين، والأولياء‏.‏ هل هو جائز أم لا‏؟‏ وهل هو مستجاب أكثر من الدعاء عند غيرهم أم لا‏؟‏ وأى أماكن الدعاء فيها أفضل‏؟‏
 

فأجاب‏:‏
ليس الدعاء عند القبور بأفضل من الدعاء في المساجد وغيرها من الأماكن، ولا قال أحد من السلف والأئمة‏:‏ إنه مستحب أن يقصد القبور لأجل الدعاء عندها، لا قبور الأنبياء ولا غيره، بل قد ثبت في صحيح البخارى‏:‏ أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس ـ عم النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقال‏:‏ اللهم، إنا كنا نستسقى إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون‏.‏ فاستسقوا بالعباس كما كانوا يستسقون بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وما كانوا يستسقون عند قبره، ولا يدعون عنده، بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح أنه قال‏:‏ ‏(‏لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ يحذر ما فعلوا‏.‏ وقال قبل أن / يموت بخمس‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإنى أنهاكم عن ذلك‏)‏‏.‏ وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج‏)‏‏.‏ فإذا كان قد حرم اتخاذها مساجد والإيقاد عليها، علم أنه لم يجعلها محلاً للعبادة لله والدعاء‏.‏ وإنما سن لمن زار القبور أن يسلم على الميت، ويدعو له، كما سن أن يصلى عليه قبل دفنه ويدعو له‏.‏ فالمقصود بما سنه صلى الله عليه وسلم الدعاء للميت لا دعاؤه، والله أعلم‏.‏
/وَقَـالَ الشيخ محمد بن عبد الهادى‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين‏.‏ أما بعد، فهذه فتيا أفتى بها الشيخ الإمام تقى الدين أبو العباس أحمد بن تيمية ـ رضي الله عنه ـ ثم بعد مدة نحو سبع عشرة سنة، أنكرها بعض الناس، وشنع بها جماعة عند بعض ولاة الأمور، وذكرت بعبارات شنيعة، ففهم منها جماعة غير ما هى علىه، وانضم إلى الإنكار والشناعة وتغير الألفاظ أمور أوجب ذلك كله مكاتبة السلطان ـ سلطان الإسلام بمصر ـ أيده الله تعالى ـ فجمع قضاة بلده، ثم اقتضى الرأى حبسه، فحبس بقلعة دمشق المحروسة بكتاب ورد سابع شعبان المبارك، سنة ست وعشرين وسبعمائة‏.‏
وفي ذلك كله لم يحظر الشيخ المذكور بمجلس حكم، ولا وقف على خطه الذى أنكر، ولا ادعى عليه بشىء‏.‏
فكتب بعض الغرباء من بلده هذه الفتيا، وأوقف عليها بعض علماء بغداد، فكتبوا علىها بعد تأملها، وقراءة ألفاظها‏.‏
/وسئل بعض مالكيـة دمشق عنها، فكتبوا كذلك‏.‏ وبلغنا أن بمصر من وقف عليها فوافق‏.‏
ونبدأ الآن بذكر السؤال الذى كتب عليه أهل بغداد، وبذكر الفتيا، وجواب الشيخ المذكور عليها، وجواب الفقهاء بعده‏.‏
وهذه صورة السؤال والأجوبة‏:‏
المسؤول من إنعام السادة العلماء، والهداة الفضلاء، أئمة الدين وهداة المسلمين، وفقهم الله لمرضاته، وأدام بهم الهداية، أن ينعموا ويتأملوا الفتوى وجوابها المتصل بهذا السؤال المنسوخ عقبه، وصورة ذلك‏:‏