جميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام
 
/وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، الأنبياء إخوة لعلات‏)‏‏.‏ وقد أخبر تعالى في القرآن عن نوح وإبراهيم وإسرائيل وأتباع موسي والمسيح وغيرهم أنهم كانوا مسلمين، متفقين على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يعبد بما أمر هو، سبحانه وتعالى، فلا يعبد غيره، ولا يعبد هو بدين لم يشرعه‏.‏ فلما أمر أن يصلى في أول الإسلام إلى بيت المقدس كان ذلك من دين الإسلام‏.‏ ثم لما نسخ ذلك وأمر باستقبال البيت الحرام كان هذا من دين الإسلام‏.‏ وذلك المنسوخ ليس من دين الإسلام‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 48‏]‏، فاللتوارة شرعة، وللإنجيل شرعة، وللقرآن شرعة‏.‏ فمن كان متبعًا لشرع التوراة أو الإنجيل الذي لم يبدل ولم ينسخ فهو على دين الإسلام، كالذين كانوا على شريعة التوراة بلا تبديل قبل مبعث المسيح ـ عليه السلام ـ والذين كانوا على شريعة الإنجيل بلا تبديل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأما من اتبع دينًا مبدلاً ما شرعه الله، أو دينًا منسوخاً، فهذا قد خرج عن دين الإسلام، كإليهود الذين بدلوا التوراة وكذبوا المسيح ـ عليه السلام ـ ثم كذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم‏.‏ والنصاري الذين بدلوا الإنجيل وكذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم‏.‏ فهؤلاء ليسوا على/ دين الإسلام الذي كان عليه الأنبياء، بل هم مخالفون لهم فيما كذبوا به من الحق وابتدعوه من الباطل‏.‏ وكذلك كل مبتدع خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذب ببعض ما جاء به من الحق، وابتدع من الباطل ما لم تشرعه الرسل‏.‏ فالرسول بريء مما ابتدعه وخالفه فيه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 216‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏]‏، فالحلال ما حلله الله ورسوله، والحرام مـا حرمـه الله ورسـوله، والدين ما شـرعـه الله ورسولـه‏.‏ وقـد ذم الله المشركين على أنهـم حللوا وحرموا وشرعوا دينًا لم يأذن به الله، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الشوري‏:‏ 21‏]‏، والسـور المكيـة أنزلها الله ـ تبارك وتعالى ـ في الدين العام الذي بعث بـه جميـع الرسـل كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وإليوم الآخر‏.‏
ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، لا نبي بعده‏.‏ وأمته خير أمة أخرجت للناس‏.‏ وقد بعثه الله بأفضل الكتب وأفضل الشرائع، وأكمل له ولأمته الدين‏.‏ وأتم عليه النعمة‏.‏ ورضي لهم الإسلام دينًا‏.‏ وهو قد دعا إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى‏:‏‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ‏}‏ ‏[‏الشوري‏:‏ 52، 53‏]‏‏.‏وقد أمرنا الله أن نتبع /هذا الصراط المستقيم، ولا نعدل عنه إلى السبل المبتدعة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏]‏‏.‏ وقال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، وخط خطوطًا عن يمينه وشماله، ثم قال‏:‏ هذا سبيل الله، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ولهذا أمرنا الله أن نقول في صلاتنا‏:‏ ‏{‏اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6، 7‏]‏‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون‏)‏‏.‏
وهو صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى بين الدين، وأوضح السبيل، وقال‏:‏ ‏(‏تركتم على البيضاء النقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به‏)‏، وقال ‏(‏إنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيري اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏ / ولهذا كان أئمة المسلمين لا يتكلمون في الدين بأن هذا واجب أو مستحب أو حرام أو مباح إلا بدليل شرعي من الكتاب أو السنة، وما دل عليه‏.‏