سئل: هل المشاهد المسماة باسم على بن أبي طالب وولده الحسين صحيحة
 
/وسُــئل‏:‏
هل المشاهد المسماة باسم على بن أبي طالب وولده الحسين ـ رضي الله عنهما ـ صحيحة أم لا‏؟‏ وأين ثبت قبر على‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما هذه المشاهد المشهورة، فمنها ما هو كذب قطعا، مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى ‏[‏أبي بن كعب‏]‏، والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى ‏[‏أويس القرني‏]‏، والمشهد الذي بمصر المضاف إلى ‏[‏الحسين‏]‏ ـ رضي الله عنه ـ إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار، حتى قال طائفة من العلماء؛ منهم عبد العزيز الكناني‏:‏ كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثبت غيره ـ أيضا ـ قبر الخليل عليه السلام‏.‏
وأما ‏[‏مشهد علي‏]‏، فعامة العلماء على أنه ليس قبره، بل قد قيل‏:‏ إنه قبر المغيرة بن شعبة، وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت على في إمارة بني بويه، وذكروا أن أصل ذلك حكاية /بلغتهم عن الرشيد أنه أتي إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جري بينه وبين ذرية على، وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شيء‏.‏ فالرشيد ـ أيضاً ـ لا علم له بذلك‏.‏ ولعل هـذه الحكايـة إن صحت عنـه فقـد قيل له ذلك كما قيل لغيره، وجمهور أهل المعرفة يقولون‏:‏ إن علىاً إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه‏.‏ وهكذا هو السـنة؛ فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة، أمر غير مشروع، فلا يظن بآل على ـ رضي اللّه عنه ـ أنهم فعلوا به ذلك، ولا يظن ـ أيضاً ـ أن ذلك خفي على أهـل بيته وللمسلمين ثلاثمائة سنة، حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء‏.‏
وكذلك ‏[‏قبر معاوية‏]‏ الذي بظاهر دمشق، قد قيل‏:‏ إنه ليس قبر معاوية، وأن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال‏:‏ إنه ‏[‏قبر هود‏]‏‏.‏
وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق، لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد‏.‏ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه، حيث قال‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏9‏]‏،بل قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم / عما يفعله المبتدعون عندها مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏‏.‏
وقد اتفق أئمة الإسلام علي أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد علي القبور ولا يشرع اتخاذها مساجد، ولا يشرع الصلاة عندها، ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة أو اعتكاف أو استغاثة أو ابتهال أو نحو ذلك، وكرهوا الصلاة عندها، ثم إن كثيرًا منهم قال‏:‏ إن الصلاة عندها باطلة، لأجل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها‏.‏
وإنما السنة لمن زار قبر مسلم ميت إما نبي أو رجل صالح أو غيرهما، أن يسلم عليه ويدعو له بمنزلة الصلاة علي جنازته، كما جمع الله بين هذه حيث يقول في المنافقين‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُصَلِّ عَلَي أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَي قَبْرِهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 84‏]‏ فكان دليل الخطاب أن المؤمنين يصلى عليهم ويقام علي قبورهم‏.‏ وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا /دفن الميت من أصحابه يقوم علي قبره ثم يقول‏:‏ ‏(‏سلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل‏)‏‏.‏ وفي الصحيح‏:‏ أنه كان يعلم أصحابه أن يقولوا إذا زاروا القبور‏:‏ ‏(‏السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم‏)‏‏.‏
وإنما دين الله تعظيم بيوت الله وحده لا شريك له، وهي المساجد التي تشرع فيها الصلـوات جماعـة وغـير جماعة، والاعتكاف، وسائر العبادات البدنية، والقلبية؛ من القراءة والذكر والدعـاء لله، قال الله تعإلى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 18‏]‏، وقال تعإلى‏:‏ ‏{‏قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ ‏[‏الأعـراف‏:‏ 29‏]‏، وقـال تعإلى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَإلىوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَي أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 18‏]‏، وقـال تعإلى‏:‏ ‏{‏فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 36‏:‏ 38‏]‏‏.‏ فهذا دين المسلمين الذين يعبدون الله مخلصين له الدين‏.‏
/وأما اتخاذ القبور أوثانًا فهو دين المشركين الذي نهى عنه سيد المرسلين والله تعإلى يصلح حال جميع المسلمين‏.‏ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله علي محمد‏.