سئل: عن نسبة بعض القبور لأصحابها؟
 
/وَقَالَ ـ رحمَهُ اللّه ‏:‏
وأما ‏[‏بنت يزيد بن السكن‏]‏ فهذه توفيت بالشام فهذه قبرها محتمل‏.‏ وأما ‏[‏قبر بلال‏]‏ فممكن؛ فإنه دفن بباب الصغير بدمشق، فيعلم أنه دفن هناك‏.‏ وأما القطع بتعيين قبره ففيه نظر؛ فإنه يقال‏:‏ إن تلك القبور حرثت‏.‏
ومنها‏:‏ القبر المضاف إلى ‏[‏أويس القرني‏]‏ غربي دمشق؛ فإن أويسا لم يجئ إلى الشام، وإنما ذهب إلى العراق‏.‏
ومنها‏:‏ القبر المضاف إلى هود عليه السلام بجامع دمشق كذب باتفاق أهل العلم؛ فإن هوداً لم يجئ إلى الشام، بل بعث بإلىمن، وهاجر إلى مكة‏.‏ فقيل‏:‏ إنه مات بإلىمن‏.‏ وقيل‏:‏ إنه مات بمكة، وإنما ذلك تلقاء قبر معاوية بن أبي سفيان، وأما الذي خارج باب الصغير الذي يقال‏:‏ إنه قبر معاوية، فإنما هو معاوية بن يزيد بن معاوية الذي تولي الخلافة مدة قصيرة ثم مات ولم يعهد إلى أحد‏.‏ وكان فيه دين وصلاح‏.‏
/ومنها‏:‏ قبر خالد بحمص‏.‏ يقال‏:‏ إنه قبر خالد بن يزيد بن معاوية أخو معاوية هذا، ولكن لما اشتهر أنه خالد، والمشهور عند العامة خالد بن الوليد؛ ظنوا أنه خالد بن الوليد، وقد اختلف في ذلك هل هو قبره أو قبر خالد بن يزيد‏.‏ وذكر أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب أن خالد بن الوليد توفي بحمص‏.‏ وقيل‏:‏ بالمدينة، سنة إحدي وعشرين أو اثنين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب، وأوصي إلى عمر، واللّه أعلم‏.‏
ومنها‏:‏ ‏[‏قبر أبي مسلم الخولاني‏]‏ الذي بداريا، اختلف فيه‏.‏
ومنها‏:‏ ‏[‏قبر علي بن الحسين‏]‏ الذي بمصر، فإنه كذب قطعاً‏.‏ فإن على بن الحسين توفي بالمدينة بإجماع الناس، ودفن بالبقيع‏.‏
ومنها‏:‏ مشهد الرأس الذي بالقاهرة، فإن المصنفين في قتل الحسين اتفقوا على أن الرأس ليس بمصر، ويعلمون أن هذا كذب‏.‏ وأصله أنه نقل من مشهد بعسقلان، وذاك المشهد بني قبل هذا بنحو من ستين سنة في أواخر المائة الخامسة، وهذا بني في أثناء المائة السادسة بعد مقتل الحسين بنحو من خمسمائة عام، والقاهرة بنيت بعد مقتل الحسين بنحو ثلاثمائة عام‏.‏ قد بين كذب هذا المشهد ابن دحية في ‏[‏العلم المشهور‏]‏، وأن الرأس دفن بالمدينة، كما ذكره الزبير بن بكار‏.‏ والذي صح من أمر حمل الرأس ما ذكره البخاري في صحيحه‏:‏ أنه حمل إلى عبيد اللّه بن زياد، وجعل /ينكت بالقضيب على ثناياه، وقد شهد ذلك أنس بن مالك‏.‏ وفي رواية‏:‏ أبو برزة الأسلمي، وكلاهما كان بالعراق، وقد ورد بإسناد منقطع أو مجهول‏:‏ أنه حمل إلى يزيد‏.‏ وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه، وأن أبا برزة كان حاضرا وأنكر هذا‏.‏ وهذا كذب؛ فإن أبا برزة لم يكن بالشام عند يزيد وإنما كان بالعراق‏.‏
وأما بدن الحسين فبكربلاء بالاتفاق‏.‏ قال أبو العباس‏:‏ وقد حدثني الثقات ـ طائفة عن ابن دقيق العيد، وطائفة عن أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، وطائفة عن أبي بكر محمد بن أحمد بن القسطلاني، وطائفة عن أبي عبد اللّه القرطبي صاحب التفسير، كل هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه، وحدثني عن بعضهم عدد كثير كل حدثني عمن حدثه من هؤلاء ـ أنه كان ينكر أمر هذا المشهد، ويقول‏:‏ إنه كذب، وأنه ليس فيه قبر الحسين ولا شيء منه، والذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال‏:‏ إنما فيه نصراني‏.‏
ومنها‏:‏ قبر على رضي اللّه عنه الذي بباطن النجف؛ فإن المعروف عند أهل العلم أن علىا دفن بقصر الإمارة بالكوفة، كما دفن معاوية بقصر الإمارة من الشام، ودفن عمرو بقصر الإمارة؛ خوفا عليهم من الخوارج أن ينبشوا قبورهم، ولكن قيل‏:‏ إن الذي بالنجف قبر المغيرة /بن شعبة، ولم يكن أحد يذكر أنه قبر على، ولا يقصده أحد أكثر من ثلاثمائة سنة‏.‏
ومنها ‏:‏ قبر عبد اللّه بن عمر في الجزيرة، والناس متفقون على أن عبد اللّه بن عمر مات بمكة عام قتل ابن الزبير، وأوصي أن يدفن بالحل؛ لكونه من المهاجرين، فشق ذلك عليهم فدفنوه بأعلى مكة‏.‏
ومنها قبر جابر الذي بظاهر حران، والناس متفقون على أن جابرا توفي بالمدينة النبوية، وهو آخر من مات من الصحابة بها‏.‏
ومنها قبر ينسب إلى أم كلثوم ورقيـة بالشام، وقد اتفـق الناس على أنهما مـاتتا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينـة تحت عثمان، وهـذا إنما هـو سبب اشتراك الأسـماء؛ لعـل شخصاً يسمي باسم من ذكر توفي ودفن في موضع من المواضع المذكورة، فظن بعض الجهال أنه أحد من الصحابة‏.‏