سئل: هل في هذه الأمة أقوام صالحون غيبهم اللّه عن الناس لا يراهم إلا من أرادوا‏؟‏
 
/وَسئل ـ رَحمه اللّه ‏:‏
هل في هذه الأمة أقوام صالحون غيبهم اللّه عن الناس لا يراهم إلا من أرادوا‏؟‏ ولو كانوا بين الناس فهم محجوبون بحالهم‏؟‏ وهل في جبل لبنان أربعين رجلا غائبين عن أعين الناظرين، كلما مات منهم واحد أخذوا من الناس واحدا غيره، يغيب معهم كما يغيبون‏؟‏ وكل أولئك تطوي بهم الأرض، ويحجون، ويسافرون ما مسيرته شهرا أو سنة في ساعة، ومنهم قوم يطيرون كالطيور، ويتحدثون عن المغيبات قبل أن تأتي، ويأكلون العظام والطين، ويجدونه طعاما وحلاوة وغير ذلك ‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد للّه رب العالمين، أما وجود أقوام يحتجبون عن الناس دائماً فهذا باطل، لم يكن لأحد من الأنبياء ولا الأولياء ولا السحرة، ولكن قد يحتجب الرجل بعض الأوقات عن بعض الناس، إما كرامة لولي، وإما على سبيل السحر‏.‏ فإن هذه الأحوال منها ما هو حال رحماني، وهو كرامات أولياء اللّه المتبعين للكتاب والسنة، وهم المؤمنون المتقون‏.‏ ومنه ما هو حال نفساني أو شيطاني، كما يحصل لبعض /الكفار أن يكاشف أحياناً، وكما يحصل لبعض الكهان أن تخبره الشياطين بأشياء‏.‏ وأحوال أهل البدع هي من هذا الباب‏.‏
ومن هؤلاء من تحمله الشياطين فتطير به في الهواء‏.‏ ومنهم من يرقص في الهواء‏.‏ ومنهم من يلبسه الشيطان فلا يحس بالضرب ولا بالنار إذا ألقي فيها، لكنها لا تكون عليه بردا أو سلاماً، فإن ذلك لا يكون إلا لأهل الأحوال الرحمانية وأهل الإشارات ـ التي هي فسادات، من اللاذن، والزعفران، وماء الورد، وغير ذلك ـ هم من هؤلاء‏.‏ فجمهورهم أرباب محال بهتاني، وخواصهم لهم حال شيطاني، وليس فيهم ولي للّه، بل هم من إخوان الشياطين من جنس التتر‏.‏
وليس في جبل لبنان ولا غيره أربعون رجلا يقيمون هناك، ولا هناك من يغيب عن أبصار الناس دائما، والحديث المروي في أن الأبدال أربعون رجلا حديث ضعيف؛ فإن أولياء اللّه المتقين يزيدون وينقصون بحسب كثرة الإيمان والتقوي، وبحسب قلة ذلك، كانوا في أول الإسلام أقل من أربعين، لما انتشر الإسلام كانوا أكثر من ذلك‏.‏
وأما قطع المسافة البعيدة فهذا يكون لبعض الصالحين ويكون لبعض إخوان الشياطين، وليس هذا من أعظم الكرامات، بل الذي / يحج مع المسلمين أعظم ممن يحج في الهواء؛ ولهذا اجتمع الشيخ إبراهيم الجعبري ببعض من كان يحج في الهواء، فطلبوا منه أن يحج معهم فقال‏:‏ هذا الحج لا يجزي عنكم حتى تحجوا كما يحج المسلمون‏.‏ وكما حج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏ فوافقوه على ذلك، وقالوا ـ بعد قضاء الحج ـ ‏:‏ ما حججنا حجة أبرك من هذه الحجة، ذقنا فيها طعم عبادة اللّه وطاعته‏.‏ وهذا يكون بعض الأوقات، ليس هذا للإنسان كل ما طلبه‏.‏
وكذلك المكاشفات تقع بعض الأحيان من أولياء اللّه، وأحياناً من إخوان الشياطين‏.‏
وهؤلاء الذين أحوالهم شيطانية قد يأكل أحدهم المآكل الخبيثة، حتى يأكل العذرة وغيرها من الخبائث بالحال الشيطاني، وهم مذمومون على هذا‏.‏ فإن أولياء اللّه هم الذين يتبعون الرسول النبي الأمي، الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏.‏ فمن أكل الخبائث كانت أحواله شيطانية‏.‏ فإن الأحوال نتائج الأعمال‏.‏ فالأكل من الطيبات والعمل الصالح يورث الأحوال الرحمانية، من المكاشفات، والتأثيرات التي يحبها اللّه ورسوله‏.‏ وأكل الخبائث وعمل المنكرات يورث الأحوال الشيطانية التي يبغضها اللّه ورسوله، وخفراء التتر هم من هؤلاء‏.‏
/وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم ، وهربت شياطينهم‏.‏ وإنما يظهرون عند الكفار والجهال، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة‏.‏ وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل، واللّه أعلم‏.‏