فصل في العقود حلالها وحرامها
 
فصل
القاعدة الثانية في العقود حلالها وحرامها
والأصل في ذلك‏:‏ أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل‏.‏ وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم إليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل‏.‏ وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات والتبرعات، وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق‏.‏ وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان، ذكرهما الله في كتابه هما‏:‏ الربا، والميسر‏.‏ فذكر تحريم الربا الذي هو ضد الصدقة في آخر ‏[‏سورة البقرة‏]‏ و‏[‏سورة آل عمران‏]‏ و‏[‏الروم‏]‏ و‏[‏المدثر‏]‏ ‏.‏ وذم إليهود عليه في ‏[‏سورة النساء‏]‏ وذكر تحريم الميسر في ‏[‏سورة المائدة‏]‏ ‏.‏
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل ما جمعه الله في كتابه‏.‏‏(‏فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر‏)‏، كما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه‏.‏ والغرر‏:‏ هو المجهول العاقبة‏.‏ فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار‏.‏ وذلك‏:‏ أن العبد إذا أبق،/ أو الفرس أو البعير إذا شرد، فإن صاحبه إذا باعه فإنما يبيعه مخاطرة، فيشتريه المشتري بدون ثمنه بكثير‏.‏ فإن حصل له قال البائع‏:‏ قمرتني، وأخذت مالي بثمن قليل،وإن لم يحصل قال المشتري‏:‏قمرتني وأخذت الثمن مني بلا عوض، فيفضي إلى مفسدة الميسر،التي هي إيقاع العداوة والبغضاء،مع ما فيه من أكل المال بالباطل، الذي هو نوع من الظلم‏.‏ ففي بيع الغرر ظلم، وعداوة، وبغضاء‏.‏
ومن نوع الغرر ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيع حَبَل الحَبَلَة، والملاقيح، والمضامين، ومن بيع السنين، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع الملامسة والمنابذة ونحو ذلك‏:‏ كله من نوع الغرر‏.‏