سئل عن رجل له عين ماء جارية
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل له عين ماء جارية، إذا باع منها أصبع ماء أو نحوه، هل يجوز، مع أنه غير مرئي، بل ينبع شيئا فشيئا‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما من يملك ماء نابعًا مثل أن يملك بئرًا محفورة في ملكه ـ ويدخل في لفظ البئر‏:‏ ما ينصب عليه الدولاب، ومالا ينصب، أو يملك عين ماء في أرض مملوكة له ـ فهذا يجوز له أن يبيع البئر / والعين جميعا، ويجوز أن يبيع بعضها مشاعًا على أصبع وأصبعين ـ من أربعة وعشرين ـ كما يباع مع البستان والدار ما له من الماء؛ مثل أصبع، وأصابع، من قناة كذا، وإن كان أصل تلك القناة في الأرض المباحة، فكيف إذا كان أصل الماء في ملكه، فهذا مما لا أعلم فيه نزاعًا‏.‏
وإن كانت العين تنبع شيئًا فشيئًا، فإنه ليس من شرط المبيع أن يري جميع المبيع، بل يرى ما جرت العادة برؤيته‏.‏ وأما ما يتجدد؛ مثل المنافع، ونقع البئر، فهذا لا يشترط أحد رؤيته، لا في بيع ولا إجارة‏.‏
وإنما تنازع العلماء لو باع الماء بدون القرار‏:‏ هل يصح بيعه لكونه يملك، أو لا يصح لكونه لا يملك‏؟‏ على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد، وأكثر العلماء على جواز بيعه، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وهو منصوص للشافعي، بل نص على أن الماء مملوك‏.‏
وتنازعوا فيما إذا باع الأرض، ولم يذكر الماء‏:‏ هل يدخل أم لا ‏؟‏
وأما بيع البئر والعين بكمالها، أو بيع جزء منها، فما علمت فيه تنازعًا، إذا كانت الأرض مملوكة‏.‏ وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى شراء بئر رومة من مالكها اليهودي، فاشترى عثمان بن عفان / نصفها، وحبسه على المسلمين، وكان دلوه منها كدلو واحد من المسلمين، ثم لما رأي اليهودي ذلك باعه النصف الآخر فاشتراه عثمان وجعل البئر كلها حبسًا على المسلمين‏.‏
وهذا الحديث مما احتج به الفقهاء على عدة مسائل؛ مثل وقف المشاع، وتكلم الفقهاء في مثل ذلك‏.‏ هل فيه شفعة‏؟‏ فأكثر الفقهاء على أن فيه الشفعة؛ كأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب مالك، واختاره ابن سُرَيج من أصحاب الشافعي، ولكن المشهور عن الشافعي أنه لا شفعة فيه، وهو الرواية الأخري عن أحمد، اختارها كثير من أصحابه، والأظهر وجوب الشفعة في ذلك‏.‏
والمقصود هنا أنهم اتفقوا على جواز بيع ذلك، وجواز هبة ذلك أظهر من جواز بيعه‏.‏