الأصل الثاني‏ أن المسلم إذا عامل معاملة يعتقد هو جوازها وقبض المال
 
الأصل الثاني‏:‏ أن المسلم إذا عامل معاملة يعتقد هو جوازها وقبض المال، جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في مثل ذلك المال‏.‏ وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة‏.‏ فإنه قد ثبت أن عمر بن الخطاب / ـ رضي اللّه عنه ـ رفع إليه أن بعض عماله يأخذ خمرًا من أهل الذمة عن الجزية‏.‏ فقال‏:‏ قاتل اللّه فلانا، أما علم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قاتل اللّه إليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها، وأكلوا أثمانها‏)‏‏.‏ ثم قال عمر‏:‏ ولُّوهم بيعها، وخذوا منهم أثمانها‏.‏ فأمر عمر أن يأخذوا من أهل الذمة الدراهم التي باعوا بها الخمر؛ لأنهم يعتقدون جواز ذلك في دينهم‏.‏
ولهذا قال العلماء‏:‏ إن الكفار إذا تعاملوا بينهم بمعاملات يعتقدون جوازها، وتقابضوا الأموال ثم أسلموا كانت تلك الأموال لهم حلالًا، وإن تحاكموا إلينا أقررناها في أيديهم، سواء تحاكموا قبل الإسلام، أو بعده‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 278‏]‏ ، فأمرهم بترك ما بقي في الذمم من الربا، ولم يأمرهم برد ما قبضوه؛ لأنهم كانوا يستحلون ذلك‏.‏
والمسلم إذا عامل معاملات يعتقد جوازها كالحيل الربوية التي يفتي بها من يفتي من أصحاب أبي حنيفة، وأخذ ثمنه، أو زارع على أن البذر من العامل، أو أكري الأرض بجزء من الخارج منها، ونحو ذلك، وقبض المال جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في ذلك المال، وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة بطريق الأولي والأحري، ولو أنه تبين له فيما بعد رجحان التحريم لم يكن عليه إخراج المال الذي كسبه/ بتأويل سائغ؛ فإن هذا أولي بالعفو والعذر من الكافر المتأول، ولما ضيق بعض الفقهاء هذا على بعض أهل الورع ألجأه إلى أن يعامل الكفار، ويترك معاملة المسلمين‏.‏ ومعلوم أن اللّه ورسوله لا يأمر المسلم أن يأكل من أموال الكفار، ويدع أموال المسلمين، بل المسلمون أولي بكل خير، والكفار أولي بكل شر‏.‏