سئل شيخ الإسلام عن عمل الكيمياء |
/وسئل شيخ الإسلام عن عمل [الكيمياء] ، هل تصح بالعقل، أو تجوز بالشرع؟
فأجاب: الحمد لله، ما يصنعه بنو آدم من الذهب والفضة وغيرهما من أنواع الجواهر والطيب وغير ذلك، مما يشبهون به ما خلقه الله من ذلك، مثل ما يصنعونه من اللؤلؤ، والياقوت، والمسك، والعنبر، وماء الورد، وغير ذلك، فهذا كله ليس مثل ما يخلقه الله من ذلك، بل هو مشابه له من بعض الوجوه، ليس هو مساويًا له في الحد والحقيقة. وذلك كله محرم في الشرع بلا نزاع بين علماء المسلمين، الذين يعلمون حقيقة ذلك. ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق، فقوله باطل في العقل والدين. وحقيقة [الكيمياء] إنما هي تشبيه المخلوق، وهو باطل في العقل، والله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فهو ـ سبحانه ـ لم يخلق شيئًا يقدر العباد أن يصنعوا مثل ما خلق، وما / يصنعونه فهو لم يخلق لهم مثله: فإنه ـ سبحانه ـ أقدرهم على أن يصنعوا طعامًا مطبوخًا، ولباسًا منسوجًا، وبيوتًا مبنية، وهو لم يخلق لهم مثل ما يصنعونه من المطبوخات والمنسوجات والبيوت المبنية. وما خلقه الله ـ سبحانه ـ من أنواع الحيوان والنبات والمعدن، كالإنسان والفرس والحمار والأنعام والطير والحيتان فإن بني آدم لا يقدرون أن يصنعوا مثل هذه الدواب. وكذلك الحنطة، والشعير، والباقلا، واللوبيا، والعدس، والعنب، والرطب، وأنواع الحبوب والثمار لا يستطيع الآدميون أن يصنعوا مثل ما يخلقه الله ـ سبحانه وتعالى. وإنما يشبهونه ببعض هذه الثمار، كما قد يصنعون ما يشبه الحيوان، حتي يصوروا الصورة كأنها صورة حيوان. وكذلك المعادن؛ كالذهب، والفضة، والحديد، والنحاس والرصاص، لا يستطيع بنو آدم أن يصنعوا مثل ما يخلقه الله؛ وإنما غايتهم أن يشبهوا من بعض الوجوه، فيصفرون وينقلون، مع اختلاف الحقائق؛ ولهذا يقولون: تعمل تصفيرة؟ ويقولون: نحن صباغون. وهذه [القاعدة] التي يدل عليها استقراء الوجود: من أن المخلوق لا يكون مصنوعًا، والمصنوع لا يكون مخلوقًا، هي ثابتة عند المسلمين، وعند أوائل المتفلسفة الذين تكلموا في الطبائع، وتكلموا في الكيمياء وغيرها؛ فإن الله قال في كتابه: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله أنه قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة! فليخلقوا بعوضة!). وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن المصورين.وقال: (من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ)، وقال: (إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله). وهذا التصوير ليس فيه تلبيس وغش، فإن كل أحد يعلم أن صورة الحيوان المصورة ليست حيوانًا. ولهذا يفرق في هذا التصوير بين الحيوان وغير الحيوان. فيجوز تصوير صورة الشجر والمعادن في الثياب والحيطان ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ)؛ ولهذا قال ابن عباس للمستفتي الذي استفتاه: صور الشجر وما لا روح فيه. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له في الصورة: (مر بالرأس فليقطع)؛ ولهذا نص الأئمة على ذلك، وقالوا: الصورة هي الرأس، لا يبقي فيها روح، فيبقي مثل الجمادات. وهذا التصوير ليس فيه غش ولا تلبيس؛ فإن كل أحد يفرق بين المصور وبين المخلوق. وأما الكيمياء، فإنه يشبه فيها المصنوع بالمخلوق، وقصد أهلها إما / أن تجعل هذا كهذا، فينفقونه ويعاملون به الناس، وهذا من أعظم الغش. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر برجل يبيع طعامًا، فأدخل يده فيه، فوجده مبلولًا. فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) فقال: يا رسول الله، أصابته السماء ـ يعني المطر ـ فقال: (هلا وضعت هذا على وجهه، من غشنا فليس منا)، وقوله: (من غشنا فليس منا) كلمة جامعة في كل غاش. وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشًا؛ ولهذا لا يظهرون للناس إذا عاملوهم أن هذا من الكيمياء، ولو أظهروا للناس ذلك لم يشتروه منهم إلا من يريد غشهم. وقد قال الأئمة: إنه لا يجوز بيع المغشوش الذي لا يعلم مقدار غشه، وإن بين للمشتري أنه مغشوش. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن أن يشاب اللبن بالماء للبيع، وأرخص في ذلك للشرب. وبيع المغشوش لمن لا يتبين له أنه مغشوش حرام بالإجماع، والكيمياء لا يعلم مقدار الغش فيها، فلا يجوز عملها ولا بيعها بحال. مع أن الناس إذا علموا أن الذهب والفضة من الكيمياء لم يشتروه. ولو قيل لهم: إنه يثبت على الروباص، أو غير ذلك، بل القلوب مفطورة على إنكار ذلك، والولاة ينكرون على من يجدونه يعمل ذلك، ولو كان أحدهم ممن يعمل ذلك في الباطن فيحتاج أن ينكره في الظاهر؛/ لأنه منكر في فطر الآدميين، ولا تجد من يعاني ذلك إلا مستخفيًا بذلك، أو مستعينًا بذي جاه، وعلى أصحابه من الذلة والصَّغَار وسواد الوجوه، ما على أهل الفرية والكذب والتدليس كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] . قال أبو قِلاَبة: هي لكل مفتر من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وهؤلاء أهل فرية وغش وتدليس في الدين، وكلاهما من المفترين. وأما القدماء فقد قالوا: إن الصناعة لا تعمل عمل الطبيعة، وأخبروا أن المصنوع لا يكون كالمطبوع؛ ولهذا كان المصنفون منهم في الكيمياء إذا حققوا قالوا: لما كان المقصود بها إنما هو التشبيه، فالطريق في التشبيه كذا وكذا. فيسلكون الطرق التي يحصل بها التشبيه، وهي مع تنوعها وكثرتها ووصول جماعات إليها واتفاقهم فيها: عسرة على أكثر الخلق، كثيرة الآفات، والمنقطع عن الوصول أضعاف الواصلين مع كثرتهم، فجماهير من يطلب الكيمياء لا يصل إلى المصنوع الذي هو مغشوش باطل طبعًا، محرم شرعًا، بل هم يطلبون الباطل الحرام، ويتمنوه ويتحاكون فيه الحكايات، ويطالعون فيه المصنفات، وينشدون فيه الأشعار، ولا يصلون إلى حقيقة الكيمياء ـ وهو المغشوش ـ بمنزلة أتباع المنتظر الذي في السرداب، وأتباع رجال الغيب الذين لا يراهم / أحد من الناس، وأمثال هؤلاء الذين يطلبون ما لا حقيقة له معتقدين وجوده، ويموتون وهم لم يصلوا إليه، وإن وصلوا إلى من يدعي لقاءه من الكذابين. وكذلك طلاب الكيمياء الذين يقال لهم: [الحدبان] لكثرة انحنائهم على النفخ في الكير، أكثرهم لا يصلون إلى الحرام، ولا ينالون المغشوش، وأما خواصهم فيصلون إلى الكيمياء، وهي محرمة باطلة، لكنها على مراتب: منها: ما يستحيل بعد بضع سنين. ومنها: ما يستحيل بعد ذلك؛ لكن المصنوع يستحيل ويفسد ولو بعد حين، بخلاف الذهب المعدني المخلوق فإنه لا يفسد ولا يستحيل؛ولهذا ذكروا أن محمد بن زكريا الرازي المتطبب ـ وكان من المصححين للكيمياء ـ عمل ذهبًا وباعه للنصاري، فلما وصلوا إلى بلادهم استحال، فردوه عليه، ولا أعلم في الأطباء من كان أبلغ في صناعة الكيمياء منه. وأما الفلاسفة الذين هم أحذق في الفلسفة منه، مثل يعقوب ابن إسحاق الكندي، وغيره.فإنهم أبطلوا الكيمياء، وبينوا فسادها، وبينوا الحيل الكيماوية. ولم يكن في أهل الكيمياء أحد من الأنبياء، ولا من علماء الدين، ولا من مشايخ المسلمين، ولا من الصحابة، ولا من التابعين لهم / بإحسان. وأقدم من رأينا، ويحكي عنه شيء في الكيمياء خالد بن يزيد بن معاوية، وليس هو ممن يقتدي به المسلمون في دينهم، ولا يرجعون إلى رأيه، فإن ثبت النقل عنه فقد دلس عليه، كما دلس على غيره. وأما جابر ابن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية، فمجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين، وهؤلاء لا يعدون أحد أمرين: إما أن يعتقد أن الذهب المصنوع كالمعدني ـ جهلًا وضلالًا ـ كما ظنه غيرهم. وإما أن يكون علم أنه ليس مثله، ولكنه لبس ودلس، فما أكثر من يتحلي بصناعة الكيمياء؛ لما في النفوس من محبة الذهب والفضة، حتي يقول قائلهم: لو غني بها مغن لرقص الكون. وعامتهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، ويظهرون للطماع أنهم يعملون الكيمياء حتي يأكلوا ماله، ويفسدوا حاله. وحكاياتهم في هذا ال باب عند الناس أشهر من أن تحتاج إلى نقل مستقر، تدل على أن أهل الكيمياء يعاقبون بنقيض قصدهم، فتذهب أموالهم ـ حيث طلبوا زيادة المال بما حرمه الله ـ بنقص الأموال، كما قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] . والكيمياء أشد تحريمًا من الربا. قال القاضي أبو يوسف: من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب غرائب الحديث كذب. ويروي هذا الكلام عن مالك، والشافعي / ـ رضي الله عنهم أجمعين. وقد قال لي رأس من رؤوسهم لما نهيته عنها، وبينت له فسادها وتحريمها ـ ولما ظهرت عليه الحجة: أخذ يستعفي عن المناظرة، ويذكر أنه منقطع بالجدال، وقال فيما قال ـ: النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الكيمياء، فقلت له: كذب، بل هو مستلزم للكفر، فإن الله قال في كتابه: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 92] ، وهذه الآية نزلت بالإجماع في غزوة تبوك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد حض فيها الناس على الصدقة، حتي جاء رجل بناقة مخطومة مزمومة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لك بها سبعمائة ناقة مخطومة مزمومة)، وجاء أبو عقيل بصاع فطعن فيه بعض المنافقين، وقال فيها: كان الله غنيًا عن صاع هذا، وجاء آخر بصرة كادت يده تعجز عن حملها، فقالوا: هذا مراءٍ. فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ إليمٌ} [التوبة:79] ، وجاء عثمان بن عفان بألف ناقة، فأعوزت خمسين، فكملها بخمسين فرس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)، وصارت هذه من مناقبه المشهورة، فيقال: مجهز جيش العسرة. / وقد قال الله: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} إلى قوله: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 92] . وقد قيل: إنهم طلبوا أن يحملهم على النعال. وسواء أريد بالبغال النعال التي تلبس، أو الدواب التي تركب، فقد أخبر الله عن نبيه أنه قال لهم: {لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}، وقد كان هو يحض الناس على الإنفاق غاية الحض. فلو كانت الكيمياء حقٍا مباحًا وهو يعلمها، لكان من الواجب أن يعمل منها ما يجهز به الجيش، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقد نسبه إلى ما نزهه الله عنه. وأيضًا، فإن علماء الأمة لم يوجب أحد منهم في الكيمياء حقًا؛ لا خمسًا ولا زكاة، ولا غير ذلك، وقد اتفقوا على أن في الركاز الخمس، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والركاز الذي لا ريب فيه؛ هو دفن الجاهلية. وهي الكنوز المدفونة في الأرض؛ كالمعادن. فأهل الحجاز لا يجعلونها من الركاز، وهو مذهب أحمد وغيره، وأهل العراق يجعلونها من الركاز، ومن العلماء من يفرق بين أن يوجد المال جملة، وبين ألا يوجد. وللشافعي فيها أقوال معروفة وجمهور العلماء يوجبون في المعدن حقًا؛ إما الزكاة، وإما الخمس. / ولو كانت الكيمياء حقًا حلالًا لكان الواجب فيها أعظم من الخمس وأعظم من الزكاة، فإنها ذهب عظيم بسعي يسير، أيسر من استخراج المعادن، والركاز، لكن هي عند علماء الدين من الغش الباطل المحرم الذي لا يحل عمله، ولا اتخاذه مالا، فضلًا عن أن يوجبوا فيها ما يجب في المال الحلال. وقال لي المخاطب فيها: فإن موسي صلى الله عليه وسلم كان يعمل الكيمياء. قلت له: هذا كذب، لم ينقل هذا عن موسى أحد من علماء المسلمين، ولا علماء أهل الكتاب، بل قد ذكروا عنهم أن موسي كان له عليهم حق يأكل منه، ولو كان يعمل الكيمياء لكان يأكل منها. قال: فإن قارون كان يعمل الكيمياء، قلت: وهذا أيضًا باطل؛ فإنه لم يقله عالم معروف، وإنما يذكره مثل الثعلبي في تفسيره عمن لا يسمي. وفي تفسير الثعلبي الغَثّ والسمين، فإنه حاطب ليل، ولو كان مال قارون من الكيمياء لم يكن له بذلك اختصاص؛ فإن الذين عملوا الكيمياء خلق كثير لا يحصون، والله ـ سبحانه ـ قال: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]، فاخبر أنه آتاه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، والكنوز إما أن يكون هو كنزها، كما قال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية [التوبة: 34] ،/ وإما أن يكون اطلع على كنائز مدفونة وهو الركاز، وهذا لا ريب أنه موجود. ثم إنه مات هذا الرجل وكان خطيبًا بجامع، فلم يشهد جنازته من جيرانه وغيرهم من المسلمين إلا أقل من عشرة، وكان يعاني السحر والسيميا، وكان يشتري كتبًا كثيرة من كتب العلم، فشهدت بيع كتبه لذلك، فقام المنادي ينادي على [كتب الصنعة] وكانت كثيرة يعني كتب الكيمياء؛ فإنهم يقولون: هي علم الحجر المكرم، وهي علم الحكمة، ويعرفونها بأنواع من العبارات، وكان المتولي لذلك من أهل السيف والديوان شهودًا، فقلت لولي الأمر: لا يحل بيع هذه الكتب؛ فإن الناس يشترونها فيعملون بما فيها، فيقولون: هؤلاء [زغلية] فيقطعون أيديهم. وإذا بعتم هذه الكتب تكونون قد مكنتموهم من ذلك، وأمرت المنادي فألقاها ببركة كانت هناك، فألقيت حتي أفسدها الماء، ولم يبق يعرف ما فيها. ومما يوضح ذلك: أن الكيمياء لم يعملها رجل له في الأمة لسان صدق، لا عالم متبع، ولا شيخ يقتدي به، ولا ملك عادل، ولا وزير ناصح، وإنما يفعلها شيخ ضال مبطل، مثل ابن سبعين وأمثاله، أو مثل بني عبيد. أو ملك ظالم، أو رجل فاجر. وإن التبس أمرها على بعض أهل العقل والدين، فغالبهم ينكشف لهم أمرها في الآخر، ولا / يستطيعون عملها صيانة من الله لهم لحسن قصدهم، وما أعلم أن رجلًا من خيار المسلمين أنفق منها أو أكل منها. وما يذكره بعض الناس أن أولياء الله يعملون بها. فهذا لا يعدو ما يقوله أحد أمرين: إما أن يكون كاذبًا. وإما أن يكون قد ظن من يعملها أنه من أولياء الله، المخصوصين بمثل هذه الكرامة، فهذا جهل؛ فإن الكيمياء يعملها المشرك واليهودي والنصراني والفاجر والمبتدع، لا يختص بها أولياء الله، بل لا يعرف ولي ثابت الولاية يعملها، ومن ذكرها ممن يدعي أنه من الأولياء مثل صاحب [الفصوص] وأمثال هؤلاء فهؤلاء في كلامهم في الدين من الخطأ والضلال أعظم مما في كلامهم في الكيمياء، فإذا كان كلامهم في التوحيد والنبوة واليوم الآخر فيه من الضلال ما هو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، بل ما لم يقله اليهود والنصاري فكيف يكون كلامهم في الكيمياء؟ ثم من اغتر بما ذكره صاحب [كتاب السعادة] فيه، وفي [كتاب جواهر القرآن] وأمثالهما من الكتب، ففي هذه الكتب من الكلام المردود والمخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها ما لا يخفي على عالم بذلك، وقد رد علماء المسلمين ما في هذه الكتب من أقوال المتفلسفة وأشباهها من الضلال المخالف للكتاب والسنة. ومن الناس من يطعن في نقل هذه الكتب عمن أضيفت إليه، ويقول: إنه كذب /عليه في نسبة هذه الكتب إليه. ومنهم من يقول: بل قد رجع عن ذلك؛ فإنه قد ثبت عنه في غير موضع نقيض ما يقوله في هذه الكتب، ومات على مطالعة البخاري ومسلم. نعم، خرق العادات للأولياء جائز، مثل أن يصير النبات ذهبًا. وذلك مما لا يكون طريقه طريق الكيمياء المعمولة بالمعالجات الطبيعية، وبين هذين من الفرق ما بين عصا موسي، وعصي السحرة، فإن تلك كانت حية تسعي، وتلك يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى. وبالجملة، فإذا كان طائفة من المنتسبين إلى العلم والعبادة اعتقدوا أن علم الكيمياء حق وحلال، فهذا لا يفيد شيئًا؛ فإن قول طائفة من العلماء والعباد خالفهم من هو أكبر منهم وأجل عند الأمة لا يحتج به إلا أحمق؛ فإنه إن كان التقليد حجة فتقليد الأكبر الأعلم الأعبد أولي. وإن لم يكن حجة لم ينفعه ذكره لهؤلاء. وعلى التقديرين فلا يفيد هذا شيئًا. ويكفيه أن خيار هذه الأمة من القرون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، لم يدخلوا في شيء من هذا، إذ لو كانت حلالًا لدخلوا فيها، كما دخلوا في سائر المباحات؛ فإنهم كانوا يكتسبون الأموال بالوجوه، واكتساب المال مع إنفاقه في طاعة الله عمل صالح. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على كل مسلم صدقة). قالوا: فمن لم يجد، قال: / (يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق). قالوا: فإن لم يستطع، قال: (يعين صانعًا، أو يصنع لأخرق). قالوا: فإن لم يستطع، قال: (يكف نفسه عن الشر، فإنها صدقة يتصدق بها على نفسه). ومما يوضح الأمر في ذلك: أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الأشياء أجناسًا وأصنافًا وأنواعًا، تشترك في شيء، ويمتاز بعضها عن بعض بشيء، كما أن الدواب تشترك في أنها تحس وتتحرك بالإرادة فهذا لازم لها كلها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصدق الأسماء حارث وهمام). إذ كل إنسان لابد له من حرث، وهو كسبه وعمله، ولا بد له من هم، هو مبدأ إرادته، ويمتاز بعض الدواب عن بعض بما ي فصل بينه وبين غيره. فهذه الخواص الفاصلة مختصة، كما أن الصفات المشتركة عامة، وهذا كالنطق للإنسان، والصهيل للفرس، والرغاء للبعير، والنهيق للحمار، وأمثال ذلك. وكذلك النباتات، تشترك مع الدواب في أنها تنمي وتغذي، ولكن ليس للنبات حس، ولا إرادة تتحرك بها، والمعدن مشارك في بعض ذلك. وقد علم أن هذه الأصناف ـ التي تسمي الأنواع التي يفضل بعضها عن بعض بهذه الخواص الفاضلة ـ إذا تقومت بهذه الفضول الخواص لم يكن لبشر أن يجعلها من أنواع أخر، ولا / أن يجعل ذلك الفضل ويلبسها فضلًا آخر، فلا يمكنه أن يجعل الحنطة شعيرًا، ولا الفرس حمارًا، ولا الحمار ثورًا. وكذلك لا يمكنه أن يجعل الفضة ذهبًا ولا النحاس فضة، وأمثال ذلك، وإنما غايته يشبه وجوده، ويدلس. ومن زعم من الكيماوية أن الفضة ذهب لم يستكمل نضجه، فقد كذب، بل لهذا معدن، ولهذا معدن، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قيل له: أي الناس أكرم؟ فقال: (أتقاهم). فقالوا: لسنا نسألك عن هذا؛ فقال: (يوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله). فقالوا: لسنا نسألك عن هذا. فقال: (أفعن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)، فكما أن قريشًا ليس أصلها أصل تميم، وعدنان ليس أصلها أصل قحطان، والعرب ليس أصلها أصل العجم، فكذلك ليس أصل الذهب أصل الفضة، ولا أصل الفضة أصل الذهب، وإن قدر أن معدن الذهب يكون فيه فضة، كما يكون في معدن الفضة نحاس، فكذلك خبث المعادن. ومعلوم أن المستخرج من المعدن لابد من تصفيته من خبثه، والناس يعلمون ماشاء الله من معادن الفضة لا يخرج منها ذهب. ولو كانت الفضة إذا أكمل طبخها صارت ذهبًا، لكان يخرج من معادن الفضة ذهب، إلا أن يقال: ليس من طبيعة ذلك المعدن حرارة طبخها. فيقال: هذا أيضًا مما يبطل الكيماوية؛ وذلك أن الله ـ سبحانه ـ يخلق / الذهب في معادن بحرارة ورطوبة، ويخلقها في المعدن كما يخلق الأجنة في بطون الأرحام، وكما يخلق في الحرث من الأشجار والزرع بحرارة يخلقها، وما يخلق به من الحرارة التي أودعها في تلك الأجسام لا تقوم مقامه حرارة النار التي نصنعها نحن. وبالجملة، فاستقراء هذين الأصلين ـ أن المخلوق لا يكون مصنوعًا، والمصنوع لا يكون مخلوقًا، وأن الأنواع المفضلة بخواصها لا يمكن أن ينقل منها نوع إلى نوع آخر ـ يظهر ذلك بالعقل، والدلالة الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة، والإجماع أيضًا في ذلك، ثم ما فطر الله عباده ـ وسوي بين بلاده ـ من إنكار ذلك وعقوبة فاعليه في الجملة ظاهر، وإن فعله بعضهم باطنًا. ثم إن الذين يصنعون الكيمياء، ويدعون أنها حق حلال لو بيع لأحدهم ذهب، وقيل له: هو من عمل الكيمياء لم يشتره، كما يشتري المعدني، وإن صنع به كما يصنع بذهبه الذي يعلمه من الاعتبار، بل قد جبلت قلوب الناس على أن من فعل هذا نسبوه إلى الغش والزغل والتمويه، والناس شهداء الله في الأرض. وأيضًا، فإن فضلاء أهل [الكيمياء] يضمون إليها الذي يسمونه السيميا كما يصنع ابن سبعين، والسهروردي المقتول، والحلاج، / وأمثالهم. وقد علم أنه محرم بكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع الأمة، بل أكثر العلماء على أن الساحر كافر، يجب قتله. وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله، وروي ذلك مرفوعًا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] . وقال تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102، 103]. فبين ـ سبحانه ـ أن طلاب السحر يعلمون أن صاحبه ما له في الآخرة من خلاق: أي من نصيب، ولكن يطلبون به الدنيا. من الرئاسة والمال. {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا} [البقرة: 103] ، لحصل لهم من ثواب الله في الدنيا والآخرة ما هو خير لهم مما يطلبونه. ولهذا تجد الذين يدخلون في السحر، ودعوة الكواكب،/ وتسبيحاتها، فيخاطبونها، ويسجدون لها،إنما مطلوب أحدهم المال والرئاسة، فيكفر ويشرك بالله؛ لأجل ما يتوهمه من حصول رئاسة ومال، ولا يحصل له إلا ما يضره ولا ينفعه، كما يدل عليه استقراء أحوال العالم. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه عد من الكبائر الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، والربا، والفرار من الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وغير ذلك من أنواع السحر، وأصنافه متنوعة. وإنما المقصود هنا أنك تجد [السيميا] ـ التي هي من السحر ـ كثيرًا ما تقترن بالكيمياء؛ ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر من أعظم المحرمات، فإذا كانت الكيمياء تقرن به كثيرًا، ولا تقترن بأهل العلم والإيمان، علم أنها ليست من أعمال أهل العلم والإيمان، بل من أعمال أهل الكفر والفسوق والعصيان. وهذا كله فيمن وصل إلى الكيمياء وعملها، وقدر على أن ينفق منها ولا ينكر عليه، وأكثر الطالبين لها لم يوصلوا إلى ذلك، ولم يقدروا عليه، ومن وصل منهم إلى ذلك مرة تعذر عليه في غالب الأوقات، مع حصول المفسدات. ومن استقرأ أحوال طالبيها وجد تحقيق ما قاله الأئمة، حيث قالوا:/ من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب العلم بالكلام تزندق، ومن طلب غرائب الحديث كذب. وكم أنفقوا فيها من الأموال، وكم صحبوا بها من الرجال، وكم أكثروا فيها من القيل والقال، وكم علقوا بها الأطماع والآمال، وكم سهروا فيها من الليالي، ولم يظفروا إلا بخسارة الدنيا والدين، ونقص العقل والعلم، ونصب العرض والذل والصغار والحاجة والإقتار، وكثرة الهموم والأحزان، وصحبة شرار الأقران، والاشتغال عما ينفعهم في المعاش والمعاد، والإعراض عما ينفع في الآخرة من الزاد. لا سيما وهي كثيرًا ما تقود أصحابها إلى أنواع المعاصي والفسوق؛ إذ طالبها يبغيها بغية العاشق للمعشوق، بل قد تؤول إلى الكفر بالرحمن، والإعراض عن الإيمان والقرآن، والدخول في أضاليل المشركين. وعباد الأوثان، وهو خسارة الدنيا والدين، لم يحصل إلا على طمع كاذب، كالبرق الخالب، والسراب الذي {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] ، فهم في ذلك بمنزلة من يظن في أهل الكفر من القسيسين والرهبان أنهم من عباد الله أهل الإيمان، أو من يظن في أهل البدع والكذب والتلبيس أنهم من أولياء الله الذين {أَلا إِنَّ لاَ خَوْفٌ عليهمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62ـ 64] . بل كثير منهم يظن في المتنبئ الكذاب؛ كمسيلمة، والعنسي، ونحوهما، أنهم بمنزلة الأنبياء الصادقين؛ كإبراهيم، وموسى، وعيسي، ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين. واشتباه الحق بالباطل، واشتباه النبي بالمتنبئ، والمتكلم بعلم بالمتكلم بجهل، والولي الصادق بالمرائي الكاذب، هو كاشتباه الذهب المعدني بالذهب المصنوع، وقد فرق الله بين الحق والباطل، وإنما اهتدي للفرق التام أهل العلم والإيمان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. الذين قال الله فيهم: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213] . وهي الأمة الوسط، الذين هم شهداء الله في الأرض على خلقه في الحق، وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، جعلنا الله وسائر إخواننا من أتباعهم، والمقتدين بهم، وحشرنا في زمرتهم، بمنه وفضله. ومن أعظم حجج [الكيماوية] : استدلالهم بالزجاج، قالوا: / فإن الزجاج معمول من الرمل والحصي، ونحو ذلك، فقاسوا على ذلك ما يعملونه من الكيمياء. وهذه حجة فاسدة؛ فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يخلق للناس زجاجًا؛ لا في معدن، ولا في غيره؛ وإنما الزجاج من قسم المصنوعات، كالآجر والفخار ونحوهما مما يطبخ في النار. وقد تقدم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل لبني آدم قدرة على أن يعملوا أنواعًا من المطاعم والملابس والمساكن، وكذلك جعل لهم قدرة على ما يصنعونه من الآنية من الفخار، والزجاج، ونحو ذلك، ولم يخلق لهم سبيلًا على أن يصنعوا مثل ما خلق الله. وإذا تبين أن الزجاج من قسم المصنوعات دون المخلوقات، ليس فيه ما يشتبه المصنوع بالمخلوق، بطلت حجة الكيمياء. فإن أصل المخلوقات التي خلقها الله لا يمكن البشر أن يصنعوا مثلها، ولا يمكنهم نقل نوع مخلوق من الحيوان والنبات والمعدن إلى نوع آخر مخلوق، وهذا مطرد لا ينقض.والله أعلم. |