سئل عن رجل عنده قماش فطلبه تاجر أن يشتري النصف مشاعا
 
وسئل عن رجل عنده قماش كثير فطلب رجل تاجر سفار أن يأخذ ذلك القماش على أن يشتري النصف مشاعا ويبقي النصف الآخر لصاحبه يشتركان فيه شركة عنان ويكون لهذا نصف الربح ولهذا نصف الربح وأخبره برأس المال وزاد عليه من الجانبين زيادة اتفقا عليها واتفقا على أن يسافر إلى الديار المصرية ثم يعود إلى دمشق وإذا لم يصلح له البيع بدمشق يسافر إلى العراق والعجم وكتب وثيقة بالشركة‏:‏ أن المال جميعه بيد هذا المشتري يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي‏.‏ وكتبا أن الشركة كانت بدراهم ولا يمكن إلا بما ذكر ثم لما قدما إلى الإسكندرية فتشاجرا فطلب صاحب القماش منه الثمن وألزمه بأن يقسم القماش ويبيعه هنا بخسارة ويوفيه الثمن‏.‏ فهل هذا البيع الذي اتفقا عليه بشرط الشركة صحيح‏؟‏ أم هو بيع فاسد‏؟‏ وهل له إذا كان شريكا أن يجعله هو الذي يقبض المال ويبيع ويشتري ويأخذ ويعطي‏.‏ فإذا كان البيع فاسدا فليس له إلا عين ماله وقد عمل هذا العامل فيه على أن له نصف الربح‏.‏ فهل له المطالبة بنصف الربح أم لا‏؟‏ وهل له بعد عمل هذا العامل وانتقال القماش من الشام إلى الإسكندرية أن يأخذ القماش ويذهب عمله وسعيه فيه‏؟‏ أم له المطالبة بأجرة عمله‏؟‏ أم بربح مثله‏؟‏ أفتونا‏.‏
فأجاب - رحمه الله - الحمد لله‏.‏ هذه المعاملة فاسدة من وجوه‏:‏ منها الجمع بين البيع والشركة؛ فإن ذلك لا يجوز‏.‏ وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يشرط مع البيع عقدا مثل هذا فلا يجوز أن يبيعه على أن يقرضه وكذلك لا يجوز أن يؤجره على أن يساقيه أو يشاركه على أن يقترض منه ولا أن يبيعه على أن يبتاع منه ونحو ذلك‏.‏ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك‏)‏ ‏[‏كذلك‏]‏ ‏(‏نهى عن بيعتين في بيعة‏)‏ وذلك أنه إذا باعه أو أجره مع القرض فإنه يحابيه في ذلك؛ لأجل القرض والقرض موجبه رد المثل فقط فمتى اشترط زيادة لم تجز بالاتفاق‏.‏ وكذلك المبايعة والمشاركة مبناها على العدالة من الجانبين‏.‏ ولهذا لا يجوز أن يشترط اختصاص أحدهما بربح سلعة معين ولا بمقدار من الربح ولا تخصيص أحدهما بالضمان ومتى بايعه على أن يشاركه فإنه يحابيه؛ إما في الشركة بأن يختص بالعمل وإما في البيع بزيادة الثمن ونحو ذلك فتخرج العقود عن العدل الذي مبناها عليه‏.‏ وأيضا ففي اشتراط المشاركة إلزام المشتري بتصرف خاص ومنعه بما يوجبه العقد المطلق‏.‏ ومثل هذا ممنوع على الإطلاق عند بعض الفقهاء وعند بعضهم إنما يسوغه في مثل اشتراط عتق المبيع أو وقفه عند من يقول به أو غير ذلك مما فيه مصلحة خالية عن مفسدة راجحة؛ بخلاف ما إذا تضمن ترك العدل؛ فإنه لا يجوز وفاقا‏.‏ ومن وجه آخر‏:‏ أن مثل هذه المعاملة إنما مقصودهما في العادة المضاربة بالمال على أن يكون الربح بينهما لكن قد يريد رب المال أن يجعل نصف المال في ضمان العامل وهذا لا يجوز وفاقا لأن الخراج بالضمان وإذا اجتمع ‏[‏البيع والشركة‏]‏ بطلت الشركة وفاقا فيحتال على ذلك بأن يبيع العامل نصف المال؛ ولهذا يجعل المال كله في يده ولو كان المقصود محض الشركة لصنعا كما يصنع شريكا العنان مع كون المال في أيديهما‏.‏ وهذا ‏[‏وجه ثالث‏]‏ فتبطل الشركة وهو اتفاقهما على أن يكون المال بيد أحد الشريكين فقط‏.‏ وأما كون هذه شركة عرض فهذا فيه نزاع؛ لكن الإقرار المكذب المخالف للواقع حرام قادح في الدين‏.‏ وإذا كان كذلك فالمال باق على ملك صاحبه ولو كان شريكا لم يكن له أن يجعل الشريك الآخر هو الذي يتولى العقود والقبوض دونه فإن هذا إنما يكون في المضاربة؛ لا في شركة العنان‏.‏ وإذا كان البيع فاسدا لم يكن له المطالبة بالثمن المسمى لكن إن تعذر رد العين رد القيمة وإن كان قد عمل فيها المشتري الشريك فله ربح مثله في نصيب الشريك؛ فإن الفقهاء متنازعون فيما فسد من المشاركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة إذا عمل فيها العامل هل يستحق أجرة المثل‏؟‏ أو يستحق قسط مثله من الربح‏؟‏ على قولين‏:‏ أظهرهما الثاني‏.‏ وهو قول ابن القاسم والعوض في العقود الفاسدة هو نظير ما يجب في الصحيح عرفا وعادة كما يجب في البيع والإجارة الفاسدة ثمن المثل وأجرة المثل وفي الجعالة الفاسدة جعل المثل‏.‏ ومعلوم أن الصحيح من هذه المشاركات إنما يجب فيه قسطه من الربح إن كان لا أجرة مقدرة وكذلك النصيب الذي اشتراه إن قيل‏:‏ يجب رد عينه مع ارتفاع قيمته كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي والإمام أحمد‏.‏ وللعامل المشتري أن يطلب إما أجرة عمله‏.‏ وإما قسط مثله من الربح‏.‏ على اختلاف القولين‏.‏ وأما إن قيل‏:‏ إنه بعد قبضه والتصرف فيه ليس عليه إلا رد القيمة - كما يقوله من يقوله من أصحاب أبي حنيفة ومالك - فالحكم فيه ظاهر‏.‏ وبكل حال لا يجب عليه رد الزيادة التي زيدت على قيمة المثل - والحالة هذه - بالاتفاق والله أعلم‏.‏