سئل عن كسـب الحجام |
وسئل عن كسـب الحجام ـ قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم أهله فخففوا عنه. ولا ريب أن الحجام إذا حجم يستحق أجرة حجمه، عند جماهير العلماء، وإن كان فيه قول ضعيف بخلاف ذلك.
وقد أرخص النبي صلى الله عليه وسلم له أن يعلفه ناضحه، ويطعمه رقيقه، كما في حديث محصن أن أباه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خراج الحجام، فأبي أن يأذن له، فلم يزل به حتي قال: (أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك) رواه أبو حاتم، وابن حبان في صحيحه، وغيره. واحتج بهذا أكثر العلماء أنه لا يحرم، وإنما يكره للحر تنزيها. قالوا: لو كان حراما لما أمره أن يطعمه رقيقه ؛ لأنهم متعبدون، /ومن المحال أن يأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعم رقيقه حراما. ومنهم من قال: بل يحرم؛ لما روي مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث) وفي الصحيحين عن ابن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشتري حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته عن ذلك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم. قال هؤلاء: فتسميته خبيثا يقتضي تحريمه، كتحريم مهر البغي، وحلوان الكاهن. قال الأولون: قد ثبت عنه أنه قال: (من أكل من هذين الشجرتين الخبيثتين، فلا يقربن مسجدنا) فسماهما خبيثتين، بخبث ريحهما، وليستا حرامًا. وقال: (لا يصلين أحدكم، وهو يدافع الأخبثين) أي: البول، والغائط. فيكون تسميته خبيثًا لملاقاة صاحبه النجاسة؛ لا لتحريمه؛ بدليل أنه أعطي الحجَّام أجره، وأذن له أن يطعمه الرقيق، والبهائم. ومهر البغي، وحلوان الكاهن، لا يستحقه، ولا يطعم منه رقيق، ولا بهيمة. وبكل حال فحال المحتاج اليه ليست كحال المستغني عنه، كما قال السلف: كسب فيه بعض الدناءة خير من مسألة الناس. ولهذا لما تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ونحوه،/ كان فيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد، وغيره: أعدلها أنه يباح للمحتاج. قال أحمد: أجرة التعليم خير من جوائز السلطان، وجوائز السلطان خير من صلة الإخوان. وأصول الشريعة كلها مبنية على هذا الأصل: أنه يفرق في المنهيات بين المحتاج وغيره، كما في المأمورات؛ ولهذا أبيحت المحرمات عند الضرورة، لاسيما إذا قدر أنه يعدل عن ذلك إلى سؤال الناس. فالمسألة أشد تحريما؛ ولهذا قال العلماء: يجب أداء الواجبات، وإن لم تحصل إلا بالشبهات، كما ذكر أبو طالب، وأبو حامد: أن الإمام أحمد سأله رجل، قال: إن ابنا لي مات، وعليه دين، وله ديون أكره تقاضيها. فقال له الإمام أحمد: أتدع ذمة ابنك مرتهنة؟ يقول: قضاء الدين واجب، وترك الشبهة لأداء الواجب هو المأمور. ولهذا اتفق العلماء على أنه يرزق الحاكم وأمثاله عند الحاجة، وتنازعوا في الرزق عند عدم الحاجة، وأصل ذلك في كتاب الله في قوله في ولي اليتيم: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] فهكذا يقال في نظائر هذا؛ إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما، ودفع شر الشرين، وإن حصل أدناهما. وقد جاء في الحجامة أحاديث كثيرة. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم /أنه قال: (شفاء أمتي في ثلاث: شربة عسل، أو شرطة محجم، أو كية نار، وما أحب أن أكتوي) والتداوي بالحجامة جائز بالسنة المتواترة وباتفاق العلماء. |