فصل إذا آجر الأرض أو الرباع
 
/وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏
فصل
وإذا آجر الأرض أو الرباع؛ كالدور، والحوانيت، والفنادق، وغيرها‏.‏ كانت إيجارة لازمة من الطرفين، لا تكون لازمة من أحد الطرفين، جائزة من الطرف الآخر، بل إما أن تكون لازمة منهما، أو تكون جائزة غير لازمة منهما، عند كثير من العلماء‏.‏
كما لو استكراه كل يوم بدرهم، ولم يوقت أجلا، فهذه الإجارة جائزة غير لازمة، في أحد قولي العلماء‏.‏ فكلما سكن يومًا لزمته أجرته، وله أن يسكن اليوم الثاني، وللمؤجر أن يمنعه سكني اليوم الثاني‏.‏
وكذلك إذا كان أجر الشهر بكذا، أو كل سنة بكذا ، ولم يؤجلا أجلاً‏.‏
وأما إذا كانت لازمة من الطرفين، فإذا كان المستأجر لا يمكنه /الخروج قبل انقضاء المدة، لم يكن للمؤجر أن يخرجه قبل انقضاء المدة، لا لأجل زيادة حصلت عليه في أثناء المدة، ولا لغير زيادة، سواء كانت العين وقفًا، أو طلقا‏.‏ وسواء كانت ليتيم أو لغير يتيم‏.‏ وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة المسلمين، لم يقل أحد من الأئمة‏:‏ إن الإجارة المطلقة تكون لازمة من جانب المستأجر، غير لازمة من جانب المؤجر؛ في وقف، أو مال يتيم، ولا غيرهما‏.‏ وإن شذ بعض المتأخرين فحكى نزاعا في بعض ذلك، فذلك مسبوق باتفاق الأئمة قبله‏.‏ والله تعالي قد أمر بالوفاء بالعقود، وأمر بالوفاء بالعهد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها‏:‏ إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر‏)‏‏.‏
وإذا قال الناظر للطالب‏:‏ اكتب عليك إجارة، واسكن، فقد أجره‏.‏ فإن لم يكن أجره لم يحل له أن يسلم إليه العين، فإنه يكون قد سلم الوقف ومال اليتيم إلى ما لا يجوز تسليمه، فيكون ظالمًا ضامنا‏.‏ ولو لم يستأجر لكان له أن يخرج إذا شاء، ولكان غاصبا لا تجب عليه الأجرة المسماة، بل أجرة المثل لما انتفع به في أحد قولي العلماء‏.‏ وعلى قول من لا يضمن منافع الغصب لا يجب /عليه شيء‏.‏
وغاية ما يقال‏:‏ إنه قبضها بإجارة فاسدة، ولو كان كذلك لكان له أن يخرج إذا شاء، بل كان يجب عليه أن يرد العين على المؤجر؛ كالمقبوض بالعقد الفاسد، بل يجب عليه المسمي، أو أجرة المثل، في أحد قولي العلماء‏.‏ وفي الآخر يجب أقل الأمرين من المسمي أو أجرة المثل‏.‏ فلا يجوز قبول الزيادة، لا في وقف، أو مال يتيم، وغيرهما، إلا حيث لا تكون الإجارة لازمة، وذلك حيث يكون المستأجر متمكنا من الخروج، ورد العقار إليهم إذا شاء، وهو الذي يسميه العامة الإخلاء، والإغلاق‏.‏
فإذا كان متمكنا من الإخلاء والإغلاق، كان المؤجر ـ أيضا ـ متمكنًا من أن يخرجه، ويؤجره لغيره، وإن لم يقع عليه زيادة، ويجب أن يعمل ما يراه من المصلحة‏.‏