سئل عن تضمين البساتين قبل إدراك الثمرة‏
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن تضمين البساتين قبل إدراك الثمرة‏.‏ هل يجوز أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما تضمين حديقته أو بستانه الذي فيه النخيل والأعناب وغير ذلك من الأشجار لمن يقوم عليها ويزرع أرضها بعوض معلوم، فمن العلماء من نهى عن ذلك، وأعتقد أنه داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها‏.‏
/ثم من هؤلاء مـن جوز ذلك، إذا كان البياض هو المقصود، والشجر تابع، كما يذكر عن مالك‏.‏ ومن هؤلاء من يجوز الاحتيال على ذلك؛ بأن يؤجر الأرض ويساقي على الشجر بجزء من الخارج منه، ولكن هذا إن شرط فيه أحد العقدين في الآخر لم يصح، وإن لم يشترطا كان لرب البستان أن يلزمه بالأجرة عن الأرض بدون المساقاة‏.‏ وأكثر مقصود الضامن هو الثمر، وهي جزء كبير من مقصوده‏.‏ وقد يكون المكان وقفا، ومال يتيم، فلا تجوز المحاباة في مساقاته‏.‏
وهذه الحيلة وإن كان القاضي أبو يعلى ذكرها في كتاب ‏[‏إبطال الحيل‏]‏ موافقة لغيره، فالمنصوص عن أحمد أنها باطلة‏.‏ وقد بينا بطلان الحيل ـ التي يكون ظاهرها مخالفا لباطنها، ويكون المقصود بها فعل ما حرم الله ورسوله؛ كالحيل على الربا، وعلى إسقاط الشفعة، وغير ذلك ـ بالأدلة الكثيرة في غير هذا الموضع‏.‏
ومن العلماء من جوز الضمان للأرض والشجر مطلقا، وإن كان الشجر مقصودًا، كما ذكر ذلك ابن عقيل، وهذا القول أصح، وله مأخذان‏:‏
أحدهما‏:‏ أنه إذا اجتمع الأرض والشجر، فتجوز الإجارة لهما جميعا؛ لتعذر التفريق بينهما في العادة‏.‏
/والمأخذ الثاني‏:‏ أن هذه الصورة لم تدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رب الأرض لم يبع ثمره بلا أجر أصلا، والفرق بينهما من وجوه‏:‏
أحدها‏:‏ أنه لو استأجر الأرض جاز، ولو اشترى الزرع قبل اشتداد الحب بشرط البقاء لم يجز، فكذلك يفرق في الشجر‏.‏
الثاني‏:‏ أن البائع عليه السقي وغيره مما فيه صلاح الثمرة حتي يكمل صلاحها، وليس على المشتري شيء من ذلك‏.‏ وأما الضامن والمستأجر فإنه هو الذي يقوم بالسقي والعمل حتي تحصل الثمرة والزرع، فاشتراء الثمرة اشتراء للعنب والرطب ، فإن البائع عليه تمام العمل حتي يصلح، بخلاف من دفع اليه الحديقة، وكان هو القائم عليها‏.‏
الثالث‏:‏ أنه لو دفع البستان إلى من يعمل عليه بنصف ثمره وزرعه، كان هذا مساقاة ومزارعة، فاستحق نصف الثمر، والزرع بعمله، وليس هذا اشتراء للحب والثمرة‏.‏
الرابع‏:‏ أنه لو أعار أرضه لمن يزرعها، أو أعطي شجرته لمن يستغلها ثم يدفعها اليه كان هذا من جنس العارية؛ لا من جنس هبة الأعيان‏.‏
الخامس ‏:‏ أن ثمرة الشجر من مغل الوقف؛ كمنفعة الأرض ، ولبن / الظئر‏.‏ واستئجار الظئر جائز بالكتاب والسنة والإجماع‏.‏ واللبن لما كان يحدث شيئًا بعد شيء صح عقد الإجارة عليه، كما يصح على المنافع وإن كانت أعيانا؛ ولهذا يجوز للمالك إجارة الماشية للبنها، فإجارة البستان لمن يستغله بعمله هو من هذا الباب، ليس هو من باب الشراء‏.‏
وإذا قيل‏:‏ إن في ذلك غررا‏.‏ قيل‏:‏ هو كالغرر في الإجارة؛ فإنه إذا استأجر أرضا ليزرعها، فإنما مقصوده الزرع، وقد يحصل، وقد لا يحصل، وقد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه ضمن حديقة أسيد بن حضير بعد موته ثلاث سنين، وأخذ الضمان فصرفه في دينه، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة‏.‏
وأيضا، فإن أرض العنوة لما فتحها المسلمون دفعها عمر اليهم، وفيها النخيل والأعناب لمن يعمل عليها بالخراج، وهذه إجارة عند أكثر العلماء‏.‏