سئل عن رجل استأجر أرضًا مقيلا ومراحا ثم إن الأرض المذكورة شمل الماء بعضها
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل استأجر أرضًا مقيلا ومراحا، وللزراعة إن أمكن أيضا؛ لينتفع بذلك انتفاع مثله بمثلها، ثم إن الأرض المذكورة شمل الماء بعضها، وترك بعضها‏.‏ فهل تصح الإجارة بذلك‏؟‏ وهل يلزم المستأجر خراج الأرض كاملا، ولم ينتفع ببعضها‏؟‏ وهل القول قول المستأجر في الانتفاع أو لا‏؟‏
والرجل يستأجر أرضا أو دارًا أو حانوتًا أو غير ذلك من ناظر وقف، أو ولي يتيم، ثم كان غبطة وزيادة لليتيم، والوقف‏.‏ فهل يفسخ حكم الإجارة‏؟‏ ويقبل زيادة ما جري‏؟‏
فأجاب‏:‏
أما إجارة أرض تصلح للزراعة فجائز، سواء كان قد شملها الري، أو لم يكن يشملها، إذا كانت الأرض مما جرت العادة بأن الري يشملها‏.‏ كما تكري الأرض التي جرت عادتها أن تشرب من الماء قبل أن ينزل المطر عليها، وهذا مذهب أئمة المسلمين؛ كمالك، وأبي حنيفة، والإمام أحمد‏.‏ وهو ـ أيضا ـ مذهب الشافعي الصحيح في مذهبه‏.‏
/ولكن بعض أصحابه غلط في معرفة مذهبه، فلم يفرق بين الأرض التي ينالها الماء في أغلب الأوقات‏.‏ والأرض التي لا ينالها الماء إلا نادرًا؛ كالأراضي التي تشرب في غير الأوقات‏.‏ ثم هذه الأرض التي صحت إجارتها إن شملها الري، وأمكن الزرع المعتاد وجبت الأجرة‏.‏ وإن لم يرو منها لم يجب على المستأجر شيء من الأجرة‏.‏ وإن روي بعضها دون بعض وجب من الأجرة بقدر ما روي‏.‏ ومن ألزم المستأجر بالإجارة، وطالبه بالأجرة إذا لم ترو الأرض، فقد خالف إجماع المسلمين‏.‏
فإذا كان كذلك، فقول القائل‏:‏ أجرتكها مقيلا ومراحا لا حاجة اليه، ولا فائدة فيه‏.‏ وإنما فعل ذلك من ظن أنه لا تجوز الإجارة قبل ري الأرض، والذي فعلوه من إجارتها مقيلا ومراحا باطل بإجماع المسلمين لوجهين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن هذه الأرض لا تصلح مقيلا ومراحا؛ فإن الماشية لا تروح وتقيل إلا بأرض تقيم بها في العادة؛ مثل أن تكون بقرب ما ترعاه، وتشرب منه، فأما التي ليس فيها ماء، ولا زرع، ولا عمارة، فلا تصلح مقيلا ومراحا، وإجارة العين بمنفعة ليست فيها إجارة باطلة‏.‏
الثاني‏:‏ أن هذه المنفعة إن كانت حاصلة، فهي منفعة غير متقومة في /مثل هذه الأرض، بل البرية كلها تشارك هذه الأرض، في كونها مقيلا ومراحا، والمنفعة التي لا قيمة لها في العادة، بمنزلة الأعيان التي لا قيمة لها، لا يصح أن يرد على هذه عقد إجارة، ولا على هذه عقد بيع بالاتفاق؛ كالاستظلال، والاستضاءة من بعد‏.‏
وأما إجارة الأرض لينتفع بذلك انتفاع مثله بمثلها فجائز‏.‏
وأما قوله‏:‏ استأجر مقيلا ومراحا، وللزراعة إن أمكن أيضا؛ لينتفع بذلك انتفاع مثله بمثلها فالإجارة صحيحة، لكن قوله‏:‏ مقيلا ومراحا كلام لغو لا فائدة فيه، وإذا لم يمكن الانتفاع بها سقطت الأجرة‏.‏ وإن أمكن الانتفاع ببعضها وجبت الأجرة بقدر ذلك‏.‏
وأما إذا تنازعا في إمكان الانتفاع، رجع في ذلك إلى غيرهما؛ فإن الناس يعلمون‏:‏ هل رويت‏؟‏ أم لم ترو‏؟‏