سئل عن امرأة ذهبت إلى أجنبي وادعت أنه وكيلها في النكاح
 
/وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن امرأة لها أب وأخ، ووكيل أبيها في النكاح وغيره حاضر، فذهبت إلى الشهود وغيرت اسمها واسم أبيها، وادعت أن لها مطلقاً يريد تجديد النكاح وأحضرت رجلاً أجنبياً، وذكرت أنه أخوها، فكتبت الشهود كتابها على ذلك ثم ظهر ما فعلته، وثبت ذلك بمجلس الحكم‏:‏ فهل تعزر على ذلك‏؟‏ وهل يجب تعزير المعرفين، والذي ادعي أنه أخوها، والذي عرف الشهود بما ذكر‏؟‏ وهل يختص التعزير بالحاكم‏؟‏ أو يعزرهم ولي الأمر من محتسب وغيره‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله، تعزر تعزيرا بليغاً؛ ولو عزرها ولي الأمر مرات كان ذلك حسناً‏.‏ كما كان عمر بن الخطاب يكرر التعزير في الفعل إذا اشتمل على أنواع من المحرمات، فكان يعزر في اليوم الأول مائة، وفي الثاني مائة، وفي الثالث مائة‏:‏ يفرق التعزير؛ لئلا يفضي إلى فساد بعض الأعضاء‏.‏ وذلك أن هذه قد ادعت إلى غير أبيها، واستخلفت أخاها، وهذا من الكبائر، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من ادعي إلى غير أبيه أو تولي غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً‏)‏، بل قد ثبت في الصحيح عن سعد وأبي بكرة أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من ادعي إلى غير أبيه /فالجنة عليه حرام‏)‏‏.‏ وثبت ما هو أبلغ من ذلك في الصحيح عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول‏:‏ ‏(‏ليس منا من ادعي إلى غير أبيه وهو يعلم إلا كَفَر، ومن ادعي ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار، ومن رمى رجلا بالكفر أو قال‏:‏ عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه‏)‏، وهذا تغليظ عظيم يقتضى أن يعاقب على ذلك عقوبة عظيمة، يستحق فيها مائة سوط، ونحو ذلك‏.‏
وأيضاً، فإنها لَبَّست على الشهود، وأوقعتهم في العقود الباطلة، ونكحت نكاحاً باطلاً؛ فإن جمهور العلماء يقولون‏:‏ النكاح بغير ولي باطل، يعزرون من يفعل ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه‏.‏ وهذا مذهب الشافعي وغيره، بل طائفة منهم يقيمون الحد في ذلك بالرجم وغيره‏.‏ ومن جوز النكاح بلا ولي مطلقاً، أو في المدينة، فلم يجوز على هذا الوجه من دعوى النسب الكاذب، وإقامة الولي الباطل، فكان عقوبة هذه متفقاً عليها بين المسلمين‏.‏
وتعاقب ـ أيضاً ـ على كذبها، وكذلك الدعوي أنه كان زوجها وطلقها، ويعاقب الزوج أيضاً‏.‏ وكذلك الذي ادعي أنه أخوها‏.‏ يعاقب على هذين الريبتين‏.‏ وأما المعرفون بهم يعاقبون على شهادة الزور؛ بالنسب لها، والتزويج والتطليق، وعدم ولي حاضر‏.‏ وينبغي أن يبالغ في عقوبة هؤلاء؛ فإن الفقهاء قد نصوا على أن شاهد الزور يسود وجهه؛ بما نقل عن عمر بن الخطاب / ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يسود وجهه‏.‏ إشارة إلى سواد وجهه بالكذب‏.‏ وأنه كان يركبه دابة مقلوباً إلى خلف‏.‏ إشارة إلى أنه قلب الحديث، ويطاف به حتى يشهره بين الناس أنه شاهد زور‏.‏
وتعزير هؤلاء ليس يختص بالحاكم، بل يعزره الحاكم والمحتسب وغيرهما من ولاة الأمور القادرين على ذلك، ويتعين ذلك في مثل هذه الحال التي ظهر فيها فساد كثير في النساء، وشهادة الزور كثيرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه‏)‏‏.‏ والله أعلم‏.‏