سئل عن صغيرة دون البلوغ مات أبوها‏ هل يجوز للحاكم أن يزوجها
 
وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عن صغيرة دون البلوغ مات أبوها‏:‏ هل يجوز للحاكم أو نائبه أن يزوجها أم لا‏؟‏ وهل يثبت لها الخيار إذا بلغت أم لا‏؟‏
فأجاب‏:‏
إذا بلغت تسع سنين فإنه يزوجها الأولياء ـ من العصبات والحاكم ونائبه ـ في ظاهر مذهب أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة وغيرهما، كما دل على ذلك الكتاب والسنة في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عليكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 127‏]‏‏.‏ وأخرجا في الصحيحين عن عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة عن قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 3‏]‏‏.‏ قالت‏:‏ يا ابن أختي، هذه اليتيمة في حجر وليها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها؛ فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها؛ فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن على سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن‏.‏ قال عروة‏:‏ قالت عائشة‏:‏ ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن، فأنزل الله / عز وجل‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 127‏]‏‏.‏ قالت عائشة‏:‏ والذي ذكر الله أنه ‏{‏وَمَا يُتْلَى عليكُمْ فِي الْكِتَابِ‏}‏ الآية ‏[‏النساء‏:‏ 127‏]‏، الأولى التي قالها الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 3‏]‏، قالت عائشة‏:‏ وقول الله ـ عز وجل ـ في الآية الأخري‏:‏ ‏{‏وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 127‏]‏، رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حيث تكون قليلة المال والحال‏.‏ وفي لفظ آخر‏:‏ إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال رغبوا عنها، وأخذوا غيرها من النساء‏.‏ قال‏:‏ فكما يتركونها حتى يرغبوا عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها من الصداق‏.‏ فهذا يبين أن الله أذن لهم أن يزوجوا اليتامي من النساء إذا فرضوا لهن صداق مثلهن، ولم يأذن لهم في تزويجهن بدون صداق المثل؛ لأنها ليست من أهل التبرع؛ ودلائل ذلك متعددة‏.‏
ثم الجمهور الذين جوزوا إنكاحها لهم قولان‏:‏
أحدهما‏:‏ وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين‏:‏ أنها تزوج بدون إذنها؛ ولها الخيار إذا بلغت‏.‏
والثاني‏:‏ وهو المشهور في مذهب أحمد وغيره‏:‏ أنها لا تزوج إلا بإذنها؛ ولا خيار لها إذا بلغت‏.‏ وهذا هو الصحيح الذي دلت عليه السنة، كما روي أبو هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تستأذن / اليتيمة في نفسها؛ فإن سكتت فهو إذنها؛ وإن أبت فلا جواز عليها‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وعن أبي موسي الأشعري‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت؛ وإن أبت فلا جواز عليها‏)‏‏.‏ فهذه السنة نص في القول الثالث الذي هو أعدل الأقوال أنها تزوج؛ خلافا لمن قال‏:‏ إنها لا تزوج حتى تبلغ فلا تصير ‏[‏يتيمة‏]‏‏.‏ والكتاب والسنة صريح في دخول اليتيمة قبل البلوغ في ذلك؛ إذ البالغة التي لها أمر في مالها يجوز لها أن ترضي بدون صداق المثل؛ ولأن ذلك مدلول اللفظ وحقيقته؛ ولأن ما بعد البلوغ وإن سمي صاحبه يتيما مجازًا فغايته أن يكون داخلا في العموم‏.‏ وإما أن يكون المراد باليتيمة البالغة دون التي لم تبلغ؛ فهذا لا يسوغ حمل اللفظ عليه بحال‏.‏ والله أعلم‏.‏