قاعدة في المحرمات في النكاح نسبًا وصهرًا
 
قاعدة في المحرمات في النكاح نسبًا وصهرًا
سئل الشيخ ـ رحمه الله ـ عن بيانها مختصرًا‏؟‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين، أما المحرمات ‏[‏بالنسب‏]‏ فالضابط فيه‏:‏ أن جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه، إلا بنات أعمامه، وأخواله، وعماته، وخالاته‏.‏ وهذه الأصناف الأربعة هن اللاتي أحلهن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عليكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ‏}‏الآية ‏[‏الأحزاب‏:‏ 50‏]‏‏.‏ فأحل ـ سبحانه ـ لنبيه صلى الله عليه وسلم من النساء أجناسا أربعة، ولم يجعل خالصا له من دون المؤمنين إلا الموهوبة؛ التي تهب نفسها للنبي، فجعل هذه من خصائصه؛ له أن يتزوج الموهوبة بلا مهر، وليس هذا لغيره باتفاق المسلمين، بل ليس لغيره أن يستحل بضع امرأة إلا مع وجوب مهر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ‏}‏‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏
واتفق العلماء على أن من تزوج امرأة ولم يقدر لها مهرًا، صح النكاح، ووجب لها المهر إذا دخل بها، وإن طلقها قبل الدخول فليس لها مهر، بل/ لها المتعة بنص القرآن، وإن مات عنها ففيها قولان‏.‏ وهي ‏[‏مسألة بَرْوَع بنت واشق‏]‏ التي استفتي عنها ابن مسعود شهرًا، ثم قال‏:‏ أقول فيها برأيي؛ فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه‏:‏ لها مهر نسائها، لاوَكْس، ولا شَطَط، وعليها العدة ولها الميراث‏.‏ فقام رجال من أشجع فقالوا‏:‏ نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت به في هذه‏.‏ قال علقمة‏:‏ فما رأيت عبد الله فرح بشيء كفرحه بذلك‏.‏ وهذا الذي أجاب به ابن مسعود هو قول فقهاء الكوفة، كأبي حنيفة وغيره، وفقهاء الحديث كأحمد وغيره، وهو أحد قولي الشافعي‏.‏ والقول الآخر له، وهو مذهب مالك‏:‏ أنه لا مهر لها، وهو مروي عن على، وزيد، وغيرهما من الصحابة‏.‏
وتنازعوا في ‏[‏النكاح إذا شرط فيه نفي المهر‏]‏‏:‏ هل يصح النكاح‏؟‏على قولين في مذهب أحمد وغيره‏:‏ أحدهما‏:‏ يبطل النكاح، كقول مالك‏.‏ والثاني‏:‏ يصح، ويجب مهر المثل، كقول أبي حنيفة والشافعي‏.‏ والأولون يقولون‏:‏ هو ‏[‏نكاح الشِّغَار‏]‏ الذي أبطله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نفي فيه المهر، وجعل البُضْع مهرًا للبُضْع‏.‏ وهذا تعليل أحمد بن حنبل في غير موضع من كلامه؛ وهذا تعليل أكثر قدماء أصحابه‏.‏ والآخرون‏:‏ منهم من يصحح نكاح الشغار، كأبي حنيفة؛ وقوله أقيس على هذا الأصل؛ لكنه مخالف للنص وآثار الصحابة، فإنهم أبطلوا نكاح الشغار‏.‏ ومنهم من يبطله / ويعلل البطلان إما بدعوي التشريك في البُضْع، وإما بغير ذلك من العلل، كما يفعله أصحاب الشافعي، ومن وافقهم من أصحاب أحمد؛ كالقاضي أبي يعلى وأتباعه والقول الأول أشبه بالنص والقياس الصحيح، كما قد بسط في موضعه‏.‏ وتنازعوا ـ أيضا ـ في انعقاد النكاح مع المهر بلفظ ‏[‏التمليك‏]‏ و ‏[‏الهبة‏]‏ وغيرهما‏:‏ فجوز ذلك الجمهور؛ كمالك وأبي حنيفة، وعليه تدل نصوص أحمد، وكلام قدماء أصحابه‏.‏ ومنعه الشافعي وأكثر متأخرى أصحاب أحمد، كابن حامد والقاضي ومن تبعهما، ولم أعلم أحدًا قال هذا قبل ابن حامد من أصحاب أحمد‏.‏
والمقصود هنا أن الله تعالى لم يخص رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بنكاح الموهوبة بقوله‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏[‏الأحزاب‏:‏ 50‏]‏، فدل ذلك على أن سائر ما أحله لنبيه صلى الله عليه وسلم حلال لأمته، وقد دل على ذلك قوله‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا‏}‏‏[‏الأحزاب‏:‏ 37‏]‏، فلما أحل امرأة المتبني، لا سيما للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك إحلالا للمؤمنين، دل ذلك على أن الإحلال له إحلال لأمته، وقد أباح له من أقاربه بنات العم والعمات، وبنات الخال والخالات، وتخصيصهن بالذكر يدل على تحريم ما سواهن، لا سيما وقد قال بعد ذلك‏:‏ ‏{‏لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ‏}‏‏[‏الأحزاب‏:‏ 52‏]‏ أي‏:‏ من بعد هؤلاء / اللاتي أحللناهن لك، وهن المذكورات في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عليكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ‏}‏‏[‏النساء‏:‏ 23‏]‏، فدخل في ‏[‏الأمهات‏]‏ أم أبيه، وأم أمه وإن علت بلا نزاع أعلمه بين العلماء‏.‏ وكذلك دخل في ‏[‏البنات‏]‏ بنت ابنه، وبنت ابن ابنته وإن سفلت بلا نزاع أعلمه‏.‏ وكذلك دخل في ‏[‏الأخوات‏]‏ الأخت من الأبوين، والأب، والأم‏.‏ ودخل في ‏[‏العمات‏]‏ و‏[‏الخالات‏]‏ عمات الأبوين، وخالات الأبوين‏.‏ وفي ‏[‏بنات الأخ، والأخت‏]‏ ولد الأخوة وإن سفلن، فإذا حرم عليه أصوله وفروعه وفروع أصوله البعيدة؛ دون بنات العم والعمات وبنات الخال والخالات‏.‏
وأما ‏[‏المحرمات بالصهر‏]‏ فيقول‏:‏ كل نساء الصهر حلال له، إلا أربعة أصناف، بخلاف الأقارب‏.‏ فأقارب الإنسان كلهن حرام، إلا أربعة أصناف‏.‏ وأقارب الزوجين كلهن حلال، إلا أربعة أصناف، وهن حلائل الآباء، والأبناء، وأمهات النساء، وبناتهن، فيحرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه‏.‏ يحرم على الرجل أم امرأته؛ وأم أمها وأبيها وإن علت‏.‏ وتحرم عليه بنت امرأته، وهي الربيبة‏.‏ وبنت بنتها وإن سفلت، وبنت الربيب أيضا حرام؛ كما نص عليه الأئمة المشهورون؛ الشافعي وأحمد وغيرهما، ولا أعلم فيه نزاعا‏.‏ ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة أبيه وإن علا؛ وامرأة ابنه وإن سفل‏.‏ فهؤلاء ‏[‏الأربعة‏]‏ هن المحرمات بالمصاهرة في كتاب الله، وكل من الزوجين / يكون أقارب الآخر أصهارًا له، وأقارب الرجل أحماء المرأة، وأقارب المرأة أختان الرجل‏.‏ وهؤلاء الأصناف الأربعة يحرمن بالعقد، إلا الربيبة‏.‏ فإنها لا تحرم حتى يدخل بأمها، فإن الله لم يجعل هذا الشرط إلا في الربيبة‏.‏ والبواقي أطلق فيهن التحريم‏.‏ فلهذا قال الصحابة‏:‏ أبهموا ما أبهم الله‏.‏ وعلى هذا الأئمة الأربعة وجماهير العلماء‏.‏
وأما بنات هاتين وأمهاتهما فلا يحرمن، فيجوز له أن يتزوج بنت امرأة أبيه وابنه باتفاق العلماء؛ فإن هذه ليست من حلائل الآباء والأبناء، فإن ‏[‏الحليلة‏]‏ هي الزوجة‏.‏ وبنت الزوجة وأمها ليست زوجة، بخلاف الربيبة‏.‏ فإن ولد الربيب ربيب؛ كما أن ولد الولد ولد، وكذلك أم أم الزوجة أم للزوجة وبنت أم الزوجة لم تحرم، فإنها ليست أما‏.‏ فلهذا قال من قال من الفقهاء‏:‏ بنات المحرمات محرمات، إلا بنات العمات والخالات، وأمهات النساء، وحلائل الآباء والأبناء‏.‏ فجعل بنت الربيبة محرمة، دون بنات الثلاثة‏.‏ وهذا مما لا أعلم فيه نزاعا‏.‏
ومن وطئ امرأة بما يعتقده نكاحا فإنه يلحق به النسب، ويثبت فيه حرمة المصاهرة باتفاق العلماء فيما أعلم، وإن كان ذلك النكاح باطلا عند الله ورسوله؛ مثل الكافر إذا تزوج نكاحا محرما في دين الإسلام، فإن هذا يلحقه فيه النسب وتثبت به المصاهرة‏.‏ فيحرم على كل واحد منهما أصول الآخر وفروعه باتفاق العلماء، وكذلك كل وطء اعتقد أنه ليس حراما وهو حرام؛ مثل / من تزوج امرأة نكاحا فاسدًا، وطلقها، وظن أنه لم يقع به الطلاق، لخطئه أو لخطأ من أفتاه، فوطئها بعد ذلك، فجاءه ولد؛ فههنا يلحقه النسب، وتكون هذه مدخولا بها، فتحرم، وإن كانت ربيبة لم يدخل بأمها باتفاق العلماء‏.‏ فالكفار إذا تزوج أحدهم امرأة نكاحا يراه في دينه وأسلم بعد ذلك ابنه ـ كما جري للعرب الذين أسلم أولادهم، وكما يجري في هذا الزمان كثيرا ـ فهذا ليس له أن يتزوج بامرأة ابنه، وإن كان نكاحها فاسدًا باتفاق العلماء‏.‏ فالنسب يتبع باعتقاد الوطء للحل؛ وإن كان مخطئا في اعتقاده‏.‏ والمصاهرة تتبع النسب‏.‏ فإذا ثبت النسب فالمصاهرة بطريق الأولى‏.‏
وكذلك ‏[‏حرية الولد‏]‏ يتبع اعتقاد أبيه؛ فإن الولد يتبع أباه في ‏[‏النسب والحرية‏]‏، ويتبع أمه في هذا باتفاق العلماء‏.‏ ويتبع في الدين خيرهما دينا عند جماهير أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وأحد القولين في مذهب مالك‏.‏ فمن وطئ أمة غيره بنكاح أوزنًا كان ولده مملوكا لسيدها، وإن اشتراها ممن ظن أنه مالك لها أو تزوجها يظنها حرة، فهذا يسمي ‏[‏المغرور‏]‏ وولدها حر باتفاق الأئمة؛ لاعتقاده أنه يطأ من يصير الولد بوطئها حرًا، فالنسب والحرية يتبع اعتقاد الواطئ وإن كان مخطئا، فكذلك تحريم المصاهرة، وإنما تنازع العلماء في الزنا المحض‏:‏ هل ينشر حرمة المصاهرة‏؟‏فيه نزاع مشهور بين السلف والخلف‏.‏ التحريم قول أبي حنيفة وأحمد، والجواز مذهب الشافعي، وعن مالك روايتان‏.‏