الأضرار الدينية
 

بسم الله الرحمن الرحيم

وأعظمها وأخطرها :

الوقوع في الشرك الذي حرّمه اللهعز وجل ، وحذر منه ، وجعله حائلاً بين المرء ودخول الجنّة ، كما قال سبحانه : و من الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ البقرة: من الآية165

وقال سبحانه : إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ المائدة: من الآية72

وقال تعالى : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ الحج: من الآية31

ومن ذلك قول الشاعر :

لا تدعُني إلا بـ ـ يا عبدها ـ *** فإنه أشرف أسمائي

فهذا تصريح منه بالشرك ، وعبادة غير الله ! وهذا هو لسان حال كثير ممن ابتلوا بهذا الوهم ، وإن لم يصرّحوا به بلسان المقال ، بل قد صرح به بعضهم ، فهذا أحدهم يقول في مجلة مشهورة :

ما تعشقتُ غير حبّكِ ديناً *** وسوى الله ما عبدتُ سواكِ ـ ـ

وأقبح منه قول أحدهم في أغنية مشهورة : الحبّ ديني ومذهبي

نعوذ بالله من الخذلان

ويقول أحدهم :

يا حبيبتي

يا أحلى اسم نطقه لساني منذ ولادتي

يا أجمل ما رأت عيناي منذ أن أبصرت النور

ويا أحلى رمز كتبته مع رمز اسمي ـ

ـ وسيكون كذلك للأبد شاءت الظروف أم لم تشأ

أقول لك : إني أحبك حتى الموت ، ولن ينسيني إياك إلا الموت وحده مهما حصل !

فإذا كان لي حياة سأحياها ، فإن هواءها أنت ، وبلسمها وعطرها أنت

!

وإذا كان لي قلب ، فنبضه هو أنت

! وإن كان لي بصر ، فعيناي أنتِ

وإذا كان لي سعادة فسعادتي ابتسامة محياك البريئة !

حبيبتي

لم ولن أتخيل نفسي وحيداً بدونكِ كما هي حالكِ أنتِ بالتأكيد

فالحياة من غيركِ أصبحت بلا طعم ولا هواء

تلاشت فائدتها

وانعدمت أهميتها

وتساوت مع الممات

! ولكن ، ما عساي أن أفعل وقد كتب لنا قدرنا أن نفترق

ـ ـ

فهو يحبّها حتى الموت – كما يقول – ولن ينساها أبداً مهما حصل ! وهي هواؤه وبلسمه ، بل هي نبض قلبه ، ودمه ، وهي بصر عينيه

إلى آخر ما ذكر ، وهذا يذكرني بالحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه :

وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به

الحديث ، وهذا قد جعل حبيبه بصره الذي يبصر به ، وسمعه الذي يسمع به كما يقول ، وصدق الله حين قال :

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ

نعوذ بالله من الخذلان

وتقول إحداهن في مجلة مشهورة أيضاً :

حين أناجيك بليلي في شبه صلاة

حين لا يكون لي بدونك أمل في نجاة

حين يجمعنا هوى أصدق من الصلوات !

ـ ـ إلخ

فنعوذ بالله من هوى هو أصدق من الصلوات ، وما أحلم ربّ الأرض والسموات

وتقول أخرى :

نداء لك أيها الغائب

ـ ـ ألا يكفي هذا الغياب ؟

فوالله أراك معي دائماً

ففي النهار شمسي أنت

وفي الليل قمري

واللهِ أنت الدنيا وما بعدها

فخبرني يا زمان بحقّ دنياك

بحق السماء والنجوم

عن الغائب الذي لم يعد

أرأيتم كيف تعلقت بالوهم

بغائب لم يعد ، ولن يعود ، وجعلته الدنيا وما بعدها ، وشمسها وقمرها ؟! بل هو معها – وهو الغائب – في كل مكان ! فبربّكم خبروني ماذا بقي لله عز وجل من الحبّ والإجلال والتعظيم والمراقبة ؟! والأمثلة على ذلك كثيرة ، لمن تأمل ما يُنشر بعين البصيرة ، وفي الأشعار الشعبية والقصائد النبطيّة من العبارات الشركية ، والألفاظ الكفرية ، أضعاف ما في الفصحى والعربية ، فإلى الله المشتكى

فإن سلم صاحب هذا الحبّ من الوقوع في الشرك ، فلن يسلم من سخط الله عز وجل ، فإن من ابتلي بهذا الوهم لابد أن يقصر في حقوق الله تعالى عليه ، ويترك بعضها ، فيبيت في سخط الله ، ويصبح في سخط الله ، ومن أمثلة التقصير في حقوق الله تعالى : التهاون في الصلاة التي هي عماد الدين ، واستثقالها ، وتأخيرها عن وقتها ، وعدم الخشوع فيها ، أما تركها بالكلية فهو كفر ، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة

ومن ذلك : التقصير في حقوق الوالدين وعقوقهم ، وقد حدثني بعضهم أنه كان يجلس عند جهاز الهاتف بالساعات ، حتى غضب عليه والداه ، ورضى الله في رضى الوالدين ، وسخطه في سخطهما كما ثبت في الحديث

ومن الأضرار الدينيّة :

2- التشبه بالكفار وتقليدهم ومحاكاتهم ، وقد جاء في الحديث : من تشبه بقوم فهو منهم وقد عُني الكفار بهذا النوع من الحب عناية فائقة كما في المجتمع الغربي المعاصر ، حتى اخترعوا له عيداً سموه عيد الحب أو عيد العشاق يحتفلون به كل عام ، ويلبسون لباساً خاصاً ، ويقدمون فيه الورود الحمراء

إلخ ، وقد سرى ذلك – وللأسف الشديد – إلى بلاد المسلمين لاسيما مع ظهور الفضائيات

وسمعنا أخباراً يندى له الجبين من تشبه بعض المسلمين – وبخاصة النساء – بأولئك الكفار – ومشاركتهم في الاحتفال بهذا العيد ، ومن المعلوم لدى كل مسلم أنه ليس في الإسلام سوى عيدين اثنين في العام لا ثالث لهما ، وأنه لا يجوز الاحتفال بأي عيد من الأعياد المبتدعة سواء سمي عيداً أم لم يسم مادام أنه يتكرر كل عام

فكيف إذا كان عيداً سخيفاً لا يحتفل به إلا أراذل الناس من البطالين الفارغين

فلنفتخر بديننا ، ولنعتز بعقيدتنا ، ولا نكن أذناباً تابعين لغيرنا ، ولنكن كما قال الشاعر :

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *** فمن يساوي بأنف الناقة الذنبا

ومن الأضرار الدينيّة :

3- الوقوع في الفاحشة التي حرمها الله عز وجل ، والتي هي من كبائر الذنوب ، ومن أسباب سخط علام الغيوب ، فكم من فتاة عفيفة شريفة كُشف سواتها ، وانتهك عرضها ، وفتى عفيف شريف غرق في أوحال الفاحشة وقذارتها ، باسم الصداقة والحبّ ، والأخبار في ذلك مبكية ومحزنة ، تتفطر منها القلوب ، وتقشعر من هولها الأبدان ، وإن كانت قليلة – ولله الحمد – إذ أن أي فتاة مسلمة عاقلة تدرك هذا الأمر جيداً ، وتحسب له ألف حساب ولكن حين تستحكم الغفلة ، وتثور العاطفة ـ 26 ـ ، يحضر الشيطان ، وتنسى الفتاة نفسها في غمرة الهوى ، فلا تفيق إلا وهي غارقة في مستنقع الرذيلة الآسن ، ولن أطيل بذكر القصص في ذلك ، ويكفي أن أذكر في هذا المقام قصة واحدة فقط لتكون عبرة لمن أراد أن يعتبر :

تقول صاحبة القصة :

لا أريد أن تكتبوا مأساتي هذه تحت عنوان ـ دمعة ندم ـ بل اكتبوها بعنوان ـ دموع الندم والحسرة ـ ، تلك الدموع التي ذرفتها سنين طوالاً

إنها دموع كثيرة تجرّعت خلالها آلاماً عديدة ، وإهانات ، ونظرات كلها تحتقرني بسبب ما اقترفته في حق نفسي وأهلي

وقبل هذا وذاك : حق ربي

إنني فتاة لا تستحق الرحمة أو الشفقة

لقد أسأت إلى والدتي وأخواتي ، وجعلت أعينهم دوماً إلى الأرض ، لا يستطيعون رفعها خجلاً من نظرات الآخرين

كل ذلك كان بسببي

لقد خنت الثقة التي أعطوني إياها بسبب الهاتف اللعين

بسبب ذلك الإنسان المجرد من الضمير ، الذي أغراني بكلامه المعسول ، فلعب بعواطفي وأحاسيسي حتى أسير معه في الطريق السيء

وبالتدريج جعلني أتمادى في علاقتي معه إلى أسوأ منحدر

كل ذلك بسبب الحب الوهمي الذي أعمى عيني عن الحقيقة ، وأدى بي في النهاية إلى فقدان أعز ما تفخر به الفتاة ، ويفخر به أبواها ، عندما يزفانها إلى الشاب الذي يأتي إلى منزلها بالطريق الحلال

لقد أضعت هذا الشرف مع إنسان عديم الشرف ، إنسان باع ضميره وإنسانيته بعد أن أخذ مني كل شيء ، فتركني أعاني وأقاسي بعد لحظات قصيرة قضيتها معه

لقد تركني في محنة كبيرة بعد أن أصبحت حاملاً !

وآنذاك لم يكن أحد يعلم بمصيبتي سوى الله سبحانه

وعندما حاولت البحث عنه كان يتهرب مني ، على عكس ما كان يفعله معي من قبل أن يأخذ ما يريد

لقد مكثت في نار وعذاب طوال أربعة أشهر ، ولا يعلم إلا الله ما قاسيته من آلام نفسية بسبب عصياني لربي ، واقترافي لهذا الذنب

ولأن الحمل أثقل نفسيتي وأتعبها

كنت أفكر كيف أقابل أهلي بهذه المصيبة التي تتحرك في أحشائي ؟

فوالدي رجل ضعيف ، يشقى ويكد من أجلنا ، ولا يكاد الراتب يكفيه

ووالدتي امرأة عفيفة ، وفرت كل شيء لي من أجل أن أتم دراستي لأصل إلى أعلى المراتب

لقد خيبت ظنها ، وأسأت إليها إساءة كبيرة لا تغتفر ، لا زلت أتجرع مرارتها حتى الآن

إن قلب ذلك الوحش رقّ لي أخيراً حيث ردّ على مكالمتي الهاتفية بعد أن طاردته

وعندما علم بحملي ، عرض على مساعدتي في الإجهاض وإسقاط الجنين الذي يتحرك داخل أحشائي

كدت أجنّ

لم يفكر أن يتقدم للزواج مني لإصلاح ما أفسده

بل وضعني أمام خيارين : إما أن يتركني في محنتي ، أو أسقط هذا الحمل للنجاة من الفضيحة والعار

! ولمّا مرت الأيام دون أن يتقدم لخطبتي ، ذهبت إلى الشرطة لأخبرهم بما حدث من جانبه ، وبعد أن بحثوا عنه في كل مكان وجدوه بعد شهرين من بلاغي ، لأنه أعطاني اسماً غير اسمه الحقيقي

لكنه في النهاية وقع في أيدي الشرطة ، واتضح أنه متزوج ولديه أربعة من الأولاد ، ووضع في السجن

وعندما علمت أنه متزوج أدركت كم كنت غبية عندما سرت وراءه كالعمياء !

ولكن ماذا يفيد ذلك بعد أن وقعت في الهوة السحيقة التي جعلتني أتردى داخلها ؟!

لقد ظن أنني ما زلت تلك الفتاة التي أعماها كذبه ، فأرسل إلي من سجنه امرأة تخبرني بأنني إذا أنكرت أمام القاضي أنه انتهك عرضي فسوف يتزوجني بعد خروجي من السجن

لكني رفضت عرضه الرخيص

والآن أكتب لكم بعد خروجي من سجن الشرطة إلي سجني الأكبر

منزلي

ها أنا قابعة فيه لا أكلم أحداً ، ولا يراني أحد ، بسبب تلك الفضيحة التي سببتها لأسرتي ، فأهدرت كرامتها ، ولوثت سمعتها النقية

لقد أصبح والدي كالشبح يمشي متهالكاً يكاد يسقط من الإعياء

بينما أصبحت أمي هزيلة ضعيفة ، تهذي باستمرار ، وسجنت نفسها بإرادتها داخل المنزل خشية كلام الناس ونظراتهم

ثم تختم رسالتها بقولها :

إنني من هذه الغربة الكئيبة أرسل إليكم بحالي المرير

إنني أبكي ليلاًً ونهاراً ولعل الله يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، وأطلب منكم الدعاء لي بأن يتوب الله علي ويخفف من آلامي

فهل بعد هذه العبرة من عبرة ، وهل بعد هذه العبرات من عبرات ، إلا لمن كُتب عليه الشقاء ، عياذاً بالله

ومن الأضرار الدينيّة :

4- ضعف الأمة ، وتقهقرها ، وتسلط الأعداء عليها :

فما فشا هذا الوهم في أمة إلا قضى عليها ، وحطم رجولة شبابها ، وسلط عليها الأعداء ، وماذا يُرجى من أمة قد غرق شبابها ونساؤها في الأوهام ؟ في العصر الجاهلي قبل بزوغ فجر الإسلام ، كان لا يُسمع إلا صوت قيس وهو يغني على ليلاه ، فلما بزغ فجر الإسلام ، وأكرم الله هذه الأمة بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ، انقطع هذا الصوت ، ولم يُسمع إلا صوت الحق وهو يدعو إلى العزة والكرامة ، وجنة عرضها السماوات والأرض ، حتى إن الشباب – بل حتى الأطفال – كانوا يتسابقون إلى ساحات الجهاد طمعاً في نيل الشهادة

ولما ضعف المسلمون ، وتخلوا عن دينهم – إلا من رحم الله عز وجل – عاد ذلك الصوت النشاز يجلجل في الآفاق ، ولم يعد قيساً واحداً ، بل آلاف الأقياس ، ولا ليلى واحدة ، بل آلاف الليالى ، وإذا أردتم البرهان والدليل فاستمعوا إلى ما ينعق به المغنون عبر موجات الأثير : كل يغني على ليلاه – كما يقال ؛ وينوح على حبيبه

ولذا كان انتشار هذا الوهم بين شباب الأمة وفتياتها دليلاً على ضعف الأمة ، وانحطاطها وتخلفها ، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر يقظة وانتباه ، لعلها تكون إرهاصاً لعودة الأمة إلى سابق عزها ومجدها ، بل هي كذلك إن شاء الله

 

وهم الحب لمحمد بن عبد العزيز المسند