سئل عن حديث (إن امرأتي لا ترد كف لامس)
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل‏:‏ يارسول الله، إن امرأتي لا ترد كف لامس، فهل هو ما ترد نفسها عن أحد‏؟‏أو ما ترد يدها في العطاء عن أحد‏؟‏وهل هو الصحيح أم لا‏؟‏
/فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين، هذا الحديث قد ضعفه أحمد وغيره، وقد تأوله بعض الناس على أنها لا ترد طالب مال، لكن ظاهر الحديث وسياقه يدل على خلاف ذلك ومن الناس من اعتقد ثبوته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسكها مع كونها لا تمنع الرجال، وهذا مما أنكره غير واحد من الأئمة، فإن الله قال في كتابه العزيز‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وفي سنن أبي داود وغيره‏:‏ أن رجلاً كان له في الجاهلية قرينة من البغايا يقال لها‏:‏ عناق، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تزوجها، فأنزل الله هذه الآية‏.‏ وقد قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏، فإنما أباح الله نكاح الإماء في حال كونهن غير مسافحات ولا متخذات أخدان‏.‏ والمسافحة التي تسافح مع كل أحد‏.‏ والمتخذات الخدن التي يكون لها صديق واحد‏.‏ فإذا كان من هذه حالها، لا تنكح فكيف بمن لا ترد يد لامس؛ بل تسافح من اتفق‏؟‏ ‏!‏ وإذا كان من هذه حالها في الإماء، فكيف بالحرائر‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 5‏]‏‏.‏ فاشترط هذه الشروط في الرجال هنا / كما اشترطه في النساء هناك‏.‏ وهذا يوافق ما ذكره في سورة النور من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 3‏]‏؛ لأنه من تزوج زانية تزاني مع غيره، لم يكن ماؤه مصونًا محفوظًا، فكان ماؤه مختلطًا بماء غيره‏.‏ والفرج الذي يطأه مشتركًا وهذا هو الزنا‏.‏ والمرأة إذا كان زوجها يزني بغيرها لا يميز بين الحلال والحرام كان وطؤه لها من جنس وطئ الزاني للمرأة التي يزني بها وإن لم يطأها غيره‏.‏ وإن من صور الزنا اتخاذ الأخدان‏.‏ والعلماء قد تنازعوا في جواز نكاح الزانية قبل توبتها على قولين مشهورين‏.‏ لكن الكتاب والسنة والاعتبار يدل على أن ذلك لا يجوز‏.‏ ومن تأول آية النور بالعقد وجعل ذلك منسوخًَا فبطلان قوله ظاهر من وجوه‏.‏ ثم المسلمون متفقون على ذم الدياثة‏.‏ ومن تزوج بغيا كان ديوثًا بالاتفاق‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة بخيل ولا كذاب ولا ديوث‏)‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 26‏]‏، أي الرجال الطيبون للنساء الطيبات، والرجال الخبيثون للنساء الخبيثات، وكذلك في النساء‏.‏ فإذا كانت المرأة خبيثة كان قرينها خبيثًا، وإذا كان قرينها خبيثًا كانت خبيثة‏.‏ وبهذا عظم القول فيمن قذف عائشة ونحوها من أمهات المؤمنين، ولولا ما على الزوج في ذلك من العيب ما حصل هذا التغليظ؛ ولهذا قال السلف‏:‏ ما بغت امرأة نبي قط، ولو كان تزوج البغي جائزًا لوجب تنزيه / الأنبياء عما يباح‏.‏ كيف وفي نساء الأنبياء من هي، كافرة كما في أزواج المؤمنات من هو كافر‏؟‏ ‏!‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيء ا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 10، 11‏]‏‏.‏ وأما البغايا فليس في الأنبياء ولا الصالحين من تزوج بغيا؛ لأن البغاء يفسد فراشه؛ ولهذا أبيح للمسلم أن يتزوج الكتابية إليهودية والنصرانية، إذا كان محصنًا غير مسافح ولا متخذ خدن، فعلم أن تزوج الكافرة قد يجوز، وتزوج البغي لا يجوز؛ لأن ضرر دينها لا يتعدى إليه‏.‏ وأما ضرر البغايا فيتعدي إليه‏.‏ والله أعلم‏.‏