فصل أنواع الأيمان
 
فصل
وأما أنواع الأيمان الثلاثة‏:‏
فالأول‏:‏ أن يعقد اليمين بالله‏.‏
والثاني‏:‏ أن يعقدها الله‏.‏
والثالث‏:‏ أن يعقدها بغير الله أو لغير الله‏.‏
فأما الأول، فهو الحلف بالله‏.‏ فهذه يمين منعقدة، مكفرة بالكتاب والسنة، والإجماع، وأما الثالث، وهو أن يعقدها بمخلوق أو لمخلوق مثل أن يحلف بالطواغيت، أو بأبيه، أو الكعبة، أو غير ذلك من المخلوقات، فهذه يمين غير /محترمة، لا تنعقد، ولا كفارة بالحنث فيها باتفاق العلماء، لكن نفس الحلف بها منهي عنه، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من حلف فقال في حلفه‏:‏ واللات والعزي، فليقل لا إله إلا الله‏)‏ وسواء في ذلك الحلف بالملائكة والأنبياء وغيرهم باتفاق العلماء، إلا أن في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم قولين في مذهب أحمد، وقول الجمهور، أنها يمين غير منعقدة ولا كفارة فيها‏.‏
وأما عقدها لغير الله، فمثل أن ينذر للأوثان والكنائس، أو يحلف بذلك فيقول‏:‏ إن فعلت كذا فعلى للكنيسة كذا، أو لقبر فلان كذا، ونحو ذلك فهذا إن كان نذرا فهو شرك، وإن كان يمينا، فهو شرك، إذا كان يقول ذلك على وجه التعظيم، كما يقول المسلم‏:‏ إن فعلت كذا فعلى هدي، وأما إذا قاله على وجه البغض لذلك، كما يقول المسلم‏:‏ إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، فهذا ليس مشركا، وفي لزوم الكفارة له قولان معروفان للعلماء‏.‏ وما كان من نذر شرك أو يمين شرك فعليه أن يتوب إلى الله من عقدها، ليس فيها وفاء ولا كفارة، إنما ذلك فيما كان لله أو بالله‏.‏
وأما المعقود لله فعلى وجهين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن يكون قصده التقرب إلى الله، لا مجرد أن يحض أو يمنع، وهذا هو النذر‏.‏ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ /‏(‏كفارة النذر كفارة يمين‏)‏ وثبت عنه أن قال‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه‏)‏‏.‏ فإذا كان قصد الإنسان أن ينذر لله طاعة فعليه الوفاء به، وإن نذر ما ليس بطاعة لم يكن عليه الوفاء به‏.‏ وما كان محرما لا يجوز الوفاء به، لكن إذا لم يوف بالنذر لله فعليه كفارة يمين عند أكثر السلف، وهو قول أحمد، وهو قول أبي حنيفة‏.‏ قيل‏:‏ مطلقا‏.‏ وقيل‏:‏ إذا كان في معنى اليمين‏.‏
والثاني‏:‏ أن يكون مقصوده الحض أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فهذا هو الحلف بالنذر، والطلاق والعتاق، والظهار، والحرام، كقوله‏:‏ إن فعلت كذا فعلى الحج، وصوم سنة، و مالي صدقة، وعبيدي أحرار، ونسائي طوالق، فهذا الصنف يدخل في مسائل الأيمان، ويدخل في مسائل الطلاق والعتاق، والنذر، والظهار، وللعلماء فيه ثلاثة أقوال‏:‏
أحدها‏:‏ أنه يلزمه ما حلف به إذا حنث؛ لأنه التزم الجزاء عند وجود الشرط، وقد وجد الشرط، فيلزمه، كنذر التبرر المعلق بالشرط‏.‏
والقول الثاني‏:‏ هذه يمين غير منعقدة فلا شيء فيها إذا حنث، لا كفارة، ولا وقوع؛ لأن هذا حلف بغير الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت‏)‏‏.‏ وفي رواية في الصحيح‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا إلا بالله‏)‏‏.‏
/والقول الثالث‏:‏ أن هذه أيمان مكفرة إذا حنث فيها كغيرها من الأيمان‏.‏ ومن العلماء من فرق بين ما عقده لله من الوجوب ـ وهو الحلف بالنذر ـ وما عقده لله من تحريم ـ وهو الحلف بالطلاق والعتاق ـ فقالوا في الأول‏:‏ عليه كفارة يمين إذا حنث‏.‏ وقالوا في الثاني‏:‏ يلزمه ما علقه وهو الذي حلف به إذا حنث؛ لأن الملتزم في الأول فعل واجب، فلا يبرأ إلا بفعله فيمكنه التكفير قبل ذلك، والملتزم في الثاني وقوع حرمة، وهذا يحصل بالشرط فلا يرتفع بالكفارة‏.‏
والقول الثالث‏:‏ هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار وعليه تدل أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة، كما قد بسط في موضعه؛ وذلك أن الله قال في كتابه‏:‏ ‏{‏وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 2‏]‏، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين فرأي غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه‏)‏، وهذا يتناول جميع أيمان المسلمين لفظا ومعني‏.‏ أما اللفظ فلقوله‏:‏ ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ‏}‏، وهذا خطاب للمؤمنين، فكل ما كان من أيمانهم فهو داخل في هذا، والحلف بالمخلوقات شرك ليس من أيمانهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد أشرك‏)‏‏.‏ رواه أهل السنن وأبو داود/وغيره، فلا تدخل هذه في أيمان المسلمين‏.‏ وأما ما عقده بالله أو لله فهو من أيمان المسلمين، فيدخل في ذلك؛ولهذا لو قال‏:‏ أيمان المسلمين أو أيمان البيعة تلزمني، ونوي دخول الطلاق والعتاق، دخل في ذلك، كما ذكر ذلك الفقهاء، ولا أعلم فيه نزاعا، ولا يدخل في ذلك الحلف بالكعبة وغيرها من المخلوقات، وإذا كانت من أيمان المسلمين تناولها الخطاب‏.‏
وأما من جهة المعني فهو أن الله فرض الكفارة في أيمان المسلمين؛ لئلا تكون اليمين موجبة عليهم أو محرمة عليهم لا مخرج لهم، كما كانوا عليه في أول الإسلام قبل أن تشرع الكفارة، لم يكن للحالف مخرج إلا الوفاء باليمن، فلو كان من الأيمان مالا كفارة فيه كانت هذه المفسدة موجودة‏.‏ وأيضا، فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 224‏]‏، نهاهم الله أن يجعلوا الحلف بالله مانعاً لهم من فعل ما أمر به؛ لئلا يمتنعوا عن طاعته باليمين التي حلفوها، فلو كان في الأيمان ما ينعقد ولا كفارة فيه لكان ذلك مانعاً لهم من طاعة الله إذا حلفوا به‏.‏
وأيضًا، فقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عليمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 226، 227‏]‏، والإيلاء هو الحلف والقسم، والمراد بالإيلاء هنا أن يحلف الرجل أن لا يطأ امرأته، وهو إذا حلف بما عقده بالله كان موليا، وإن حلف بما عقده لله /كالحلف بالنذر والظهار والطلاق والعتاق كان موليا عند جماهير العلماء، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي في قوله الجديد، وأحمد، ومن العلماء من لم يذكر في هذه المسألة نزاعا كابن المنذر وغيره، وذكر عن ابن عباس أنه قال‏:‏ كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء، والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد جعل المولي بين خيرتين‏:‏ إما أن يفيء، وإما أن يطلق‏.‏ والفيء ة هي الوطء، خير بين الإمساك بمعروف، والتسريح بإحسان‏.‏ فإن فاء فوطئها حصل مقصودها، وقد أمسك بمعروف، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 226‏]‏، ومغفرته ورحمته للمولي توجب رفع الإثم عنه وبقاء امرأته‏.‏ ولا تسقط الكفارة، كما في قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 1، 2‏]‏، فبين أنه غفور رحيم بما فرضه من تحلة الأيمان، حيث رحم عباده بما فرضه لهم من الكفارة، وغفر لهم بذلك نقضهم لليمين التي عقدوها؛ فإن موجب العقد الوفاء لولا ما فرضه من التحلة التي جعلها تحل عقدة اليمين‏.‏ وإن كان المولي لا يفيء؛ بل قد عزم على الطلاق؛ فإن الله سميع عليم، فحكم المولي في كتاب الله‏:‏ أنه إما أن يفيء، وإما أن يعزم الطلاق‏.‏ فإن فاء فإن الله غفور رحيم لا يقع به طلاق، وهذا متفق عليه في اليمين بالله تعالى‏.‏
وأما اليمين بالطلاق فمن قال‏:‏ إنه يقع به الطلاق فلا يكفر، فإنه يقول‏:‏ إن فاء المولي بالطلاق وقع به الطلاق، وإن عزم الطلاق فأوقعه وقع به /الطلاق‏.‏ فالطلاق على قوله لازم سواء أمسك بمعروف، أو سرح بإحسان‏.‏ والقرآن يدل على أن المولي مخير‏:‏ إما أن يفيء، وإما أن يطلق‏.‏ فإذا فاء لم يلزمه الطلاق، بل عليه كفارة الحنث إذا قيل بأن الحلف بالطلاق فيه الكفارة، فإن المولي بالحلف بالله إذا فاء لزمته كفارة الحنث عند جمهور العلماء، وفيه قول شاذ أنه لاشيء عليه بحال‏.‏ وقول الجمهور أصح، فإن الله بين في كتابه كفارة اليمين في سورة المائدة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه‏)‏‏.‏
فإن قيل‏:‏ المولي بالطلاق إذا فاء غفر الله له ما تقدم من تأخير الوطء للزوجة، وإن وقع به الطلاق، ورحمه بذلك قيل‏:‏ هذا لا يصح‏.‏ فإن أحد قولي العلماء القائلين بهذا الأصل أن الحالف بالطلاق ثلاثاً ألا يطأ امرأته لا يجوز له وطؤها بحال؛ فإنه إذا أولج حنث، وكان النزع في أجنبية، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد، وأحد القولين في مذهب مالك‏.‏ والثاني‏:‏ يجوز له وطأة واحدة ينزع عقبها، وتحرم بها عليه امرأته‏.‏ ومعلوم أن الإيلاء إنما كان لحق المرأة في الوطء، والمرأة لا تختار وطأة يقع بها الطلاق الثلاث عقبها إلا إذا كانت كارهة له، فلا يحصل مقصودها بهذه الفيء ة‏.‏ وأيضا، فإنه على هذا التقدير لا فائدة في /التأجيل، بل تعجيل الطلاق أحب إليها لتقضي العدة لتباح لغيره، فإذا كان لابد لها من الطلاق على التقديرين، كان التأجيل ضررًا محضا لها، وهذا خلاف مقصود الإيلاء الذي شرع لنفع المرأة، لا لضرها‏.‏
وما ذكرته من النصوص قد استدل به الصحابة وغيرهم من العلماء في هذا الجنس، فأفتوا من حلف فقال‏:‏ إن فعلت كذا فمالي هدي، وعبيدي أحرار، ونحو ذاك، بأن يكفر يمينة، فجعلوا هذا يمينا مكفرة، وكذلك غير واحد من علماء السلف والخلف جعلوا هذا متناولا للحلف بالطلاق والعتاق وغير ذلك من الأيمان، وجعلوا كل يمين يحلف بها الحالف ففيها كفارة يمين وإن عظمت‏.‏
وقد ظن طائفة من العلماء أن هذا الضرب فيه شبه من النذر والطلاق والعتاق، وشبه من الأيمان، وليس كذلك بل هذه أيمان محضة، ليست نذرًا، ولا طلاقا‏.‏ ولا عتاقا، وإنما يسميها بعض الفقهاء نذر اللجاج والغضب تسمية مقيدة، ولا يقتضي ذلك أنها تدخل في اسم النذر عند الإطلاق‏.‏ وأئمة الفقهاء الذين اتبعوا الصحابة بينوا أن هذه أيمان محضة كما قرر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما في الحلف بالنذر، لكن هي أيمان علق الحنث فيها على شيء ين‏:‏ أحدهما‏:‏ فعل المحلوف عليه‏.‏ والثاني‏:‏ عدم إيقاع المحلوف به‏.‏
/فقول القائل‏:‏ إن فعلت كذا فعلى الحج هذا العام‏.‏ بمنزلة قوله‏:‏ والله إن فعلت كذا لأحجن هذا العام، وهو لو قال ذلك لم يلزمه كفارة إلا إذا فعل ولم يحج ذلك العام، كذلك إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلى أن أحج هذا العام، إنما تلزمه الكفارة إذا فعله ولم يحج ذلك العام، وكذلك إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلى أن أعتق عبدي، أو أطلق امرأتي، فإنه لا تلزمه الكفارة إلا إذا فعله ولم يطلق ولم يعتق، ولو قال‏:‏ والله إن فعلت كذا فوالله لأطلقن امرأتي ولأعتقن عبدي‏.‏ وكذلك إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فامرأتي طالق، وعبدي حر، هو بمنزلة قوله‏:‏ والله إن فعلت كذا ليقعن بي الطلاق والعتاق، ولأوقعن الطلاق والعتاق، وهو إذا فعله لم تلزمه الكفارة إلا إذا لم يقع به الطلاق والعتاق، وإذا لم يوقعه لم يقع لأنه لم يوجد شرط الحنث؛ لأن الحنث معلق بشرطين، والمعلق بالشرط قد يكون وجوبًا، وقد يكون وقوعًا‏.‏ فإذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلى صوم شهر‏.‏ فالمعلق وجوب الصوم‏.‏ وإذا قال‏:‏ فعبدي حر، وامرأتي طالق فالمعلق وقوع العتاق، والطلاق وقد تقدم أن الرجل المعلق إن كان قصده وقوع الجزاء عند الشرط وقع، كما إذا كان قصده أن يطلقها إذا أبرأته من الصداق، فقال‏:‏ إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق‏.‏ فهنا إذا وجدت الصفة وقع الطلاق‏.‏
وأما إذا كان قصده الحلف وهو يكره وقوع الجزاء عند الشرط، فهذا حالف، كما لو قال‏:‏ الطلاق يلزمنى لأفعلن كذا‏.‏
/وأما قول القائل‏:‏ إنه التزم الطلاق عند الشرط فيلزمه، فهذا الباطل من أوجه‏:‏
أحدها‏:‏ أن الحالف بالكفر والإسلام كقوله‏:‏ إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني‏.‏ وقول الذمي‏:‏ إن فعلت كذا فأنا مسلم، هو التزام للكفر والإسلام عند الشرط، ولايلزمه ذلك بالاتفاق؛ لأنه لم يقصد وقوعه عند الشرط، بل قصد الحلف به، وهذا المعني موجود في سائر أنواع الحلف بصيغة التعليق‏.‏
الثاني‏:‏ أنه إذا قال‏:‏ إن فعلت كذا فعلى أن أطلق امرأتي، لم يلزمه أن يطلقها بالاتفاق إذا فعله‏.‏
الثالث‏:‏ أن الملتزم لأمر عند الشرط إنما يلزمه بشرطين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون الملتزم قربة‏.‏ والثاني‏:‏ أن يكون قصده التقرب إلى الله به لا الحلف به، فلو التزم ما ليس بقربة كالتطليق والبيع والإجارة والأكل والشرب لم يلزمه‏.‏ ولو التزم قربة ـ كالصلاة، والصيام، والحجة ـ على وجه الحلف بها لم يلزمه بل تجزيه كفارة يمين عند الصحابة وجمهور السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وآخر الروايتين عن أبي حنيفة، وقول المحققين من أصحاب مالك‏.‏
/وهنا الحالف بالطلاق هو التزم وقوعه على وجه اليمين، وهو يكره وقوعه إذا وجد الشرط، كما يكره وقوع الكفر إذا حلف به، وكما يكره وجوب تلك العبادات إذا حلف بها‏.‏
وأما قول القائل‏:‏ إن هذا حالف بغير الله فلا يلزمه كفارة‏.‏
فيقال‏:‏ النص ورد فيمن حلف بالمخلوقات؛ ولهذا جعله شركا؛ لأنه عقد اليمين بغير الله فمن عقد اليمين لله فهو أبلغ ممن عقدها بالله؛ ولهذا كان النذر أبلغ من اليمين؛ فوجوب الكفارة فيما عقد لله أولى من وجوبها فيما عقد بالله‏.‏ والله أعلم‏.‏