فصل الطلاق منه طلاق سنة
 
/فصل
الطلاق منه طلاق سنة أباحه الله تعالى، وطلاق بدعة حرمه الله‏.‏ فطلاق السنة أن يطلقها طلقة واحدة إذا طهرت من الحيض قبل أن يجامعها، أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها‏.‏
فإن طلقها وهي حائض، أو وطئها وطلقها بعد الوطء قبل أن يتبين حملها، فهذا طلاق محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين‏.‏ وتنازع العلماء‏:‏ هل يلزم‏؟‏ أو لا يلزم‏؟‏ على ‏[‏قولين‏]‏‏:‏ والأظهر أنه لا يلزم‏.‏ وإن طلقها ثلاثًا بكلمة، أو بكلمات في طهر واحد قبل أن يراجعها مثل أن يقول‏:‏ أنت طالق ثلاثًا‏.‏ أو‏:‏ أنت طالق ألف طلقة‏.‏ أو‏:‏ أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق‏.‏ ونحو ذلك من الكلام، فهذا حرام عند جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وظاهر مذهبه‏.‏ وكذلك لو طلقها ثلاثًا قبل أن تنقضي عدتها، فهو ـ أيضًا ـ حرام عند الأكثرين، وهو مذهب مالك وأحمد في ظاهر مذهبه‏.‏
وأما السنة، إذا طلقها طلقة واحدة لم يطلقها الثانية حتى يراجعها في العدة، أو يتزوجها بعقد جديد بعد العدة، فحينئذ له أن يطلقها الثانية، /وكذلك الثالثة، فإذا طلقها الثالثة كما أمر الله ورسوله حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره‏.‏
وأما لو طلقها الثلاث طلاقًا محرمًا، مثل أن يقول لها‏:‏ أنت طالق ثلاثة جملة واحدة، فهذا فيه قولان للعلماء أحدهما‏:‏ يلزمه الثلاث‏.‏ والثاني‏:‏ لا يلزمه إلا طلقة واحدة، وله أن يرتجعها في العدة، وينكحها بعقد جديد بعد العدة، وهذا قول كثير من السلف والخلف، وهو قول طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، وهذا أظهر القولين؛ لدلائل كثيرة‏:‏ منها ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال‏:‏ كان الطلاق الثلاث على عهد رسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرًا من خلافة عمر واحدة‏.‏ ومنها ما رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد جيد عن ابن عباس‏:‏ أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إنما هي واحدة وردها عليه‏)‏، وهذا الحديث قد ثبته أحمد بن حنبل وغيره‏.‏ وضعف أحمد وأبو عبيد وابن حزم وغيرهم ما روي أنه طلقها البتة، وقد استحلفه ‏(‏ما أردت إلا واحدة‏؟‏‏)‏، فإن رواة هذا مجاهيل لا يعرف حفظهم وعدلهم، ورواة الأول معروفون بذلك، ولم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد مقبول أن أحدًا طلق امرأته ثلاثًا بكلمة واحدة فألزمه الثلاث، بل روي في ذلك أحاديث كلها كذب باتفاق أهل العلم، ولكن جاء في أحاديث صحيحة إن فلانًا طلق امرأته ثلاثًا‏.‏ أي‏:‏ ثلاثًا متفرقة‏.‏ وجاء‏:‏ إن الملاعن طلق ثلاثًا، وتلك امرأة لا سبيل له إلى رجعتها، بل هي /محرمة عليه سواء طلقها أو لم يطلقها، كما لو طلق المسلم امرأته إذا أرتدت ثلاثًا‏.‏ وكما لو أسلمت امرأة اليهودي فطلقها ثلاثًا، أو أسلم زوج المشركة فطلقها ثلاثًا‏.‏ وإنما الطلاق الشرعي أن يطلق من يملك أن يرتجعها أو يتزوجها بعقد جديد، والله أعلم‏.‏