سئل عمن حلف بالطلاق الثلاث على زوجته أنها لا تنزل من بيته إلا بإذنه
 
وسئل ـ رحمه اللّه ـ عمن حلف بالطلاق الثلاث على زوجته أنها لا تنزل من بيته إلا بإذنه، ثم إنها قالت‏:‏ أنا اليوم أتغدي أنا وأمك، فاعتقد أن أمه تجيء إلى عندها واعتقدت الزوجة أنه أذن لها، فذهبت إلى عند أمه‏.‏
فأجاب‏:‏
الطلاق والحالة هذه لا يقع به في أصح قولي العلماء، كما هو إحدى قولي الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد؛ فإن هذه هي مسألة الجاهل والناسي، والنزاع فيها مشهور هل يحنث، أم لا يحنث، أم يفرق بين اليمين المكفرة وغيرها‏؟‏
والصواب أنه لا يحنث مطلقًا؛ لأن البر والحنث في اليمين بمنزلة الطاعة والمعصية في الأمر؛ إذ كان المحلوف عليه جملة طلبية‏.‏
فـإن المحلوف عليه، إما جملة خبرية، فيكون مقصود الحالف التصديق، والتكذيب‏.‏ وإما جملة طلبية، فيكون مقصود الحالف /الحض والمنع، فهو يحض نفسه أو من يحلف عليه، ويمنع نفسه أو من يحلف عليه، فهو أمر ونهي مؤكد بالقسم‏.‏ فالحنث في ذلك كالمعصية في الأمر المجرد‏.‏ ومعلوم أنه قد استقر في الشريعة‏:‏ أن من فعل المنهي عنه ناسيا أو مخطئًا معتقداً أنه ليس هو المنهي ـ كأهل التأويل السائغ ـ فإنه لا يكون هذا الفاعل آثمًا ولا عاصيًا، كما قد استجاب اللّه قول المؤمنين‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏، فكذلك من نسي اليمين، أو اعتقد أن الذي فعله ليس هو المحلوف عليه؛ لتأويل، أو غلط ـ كسمع، ونحوه ـ لم يكن مخالفاً اليمين، فـلا يكون حالفا، فلا فرق في ذلك بين أن يكون الحلف باللّه تعالى، أو بساير الأيمان؛ إذ الأيمان يفترق حكمها في المحلوف به‏.‏ أما في المحلوف عليه فلا فرق، والكلام هنا في المحلوف عليه، لا في المحلوف به‏.‏
ومعلوم أن الحالف بالطلاق والعتاق لم يجعل ذلك تعليقا محضًا ـ كالتعليق بطلوع الشمس ـ ولا مقصوده وقوع الشرط والجزاء ـ كنذر التبرر، وكالتعليق على العوض في مثل الخلع ـ وإنما مقصوده حض نفسه، أو منع من حلف عليه ومنع نفسه أو من حلف عليه، كما يقصد ذلك الناذر ـ نذر الحجاج، والغضب ـ ولهذا اتفق الفقهاء على تسمية ذلك يمينًا، وكان الصحيح في مذهب أحمد وغيره جواز الاستثناء في ذلك؛ بخلاف المحض فإنه إيقاع موقت، فليس هو يمين على الصحيح، ولا ينفع فيه الاستثناء منه عند من لا يجوز الاستثناء في الإيقاع، كمالك، وأحمد، وغيرهما‏.‏ واللّه أعلم‏.‏