فصل: قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏
 
وَقال ـ رَحمه اللّه تعالى‏:‏
فصل
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏، فلفظ ‏{‏الْمَوْلُودِ لَهُ‏}‏ أجود من لفظ الوالد لوجوه‏:‏ أنه يعم الوالد وسيد العبد، وأنه يبين أن الولد لأبيه لا لأمه، فيفيد هذا أن الولد لأبيه، كما نقوله نحن من‏:‏ أن الأب يستبيح مال ولده ومنافعه، وأنه يبين جهة الوجوب عليه، وهو كون الولد له، لا للأم‏.‏ وأن الأم هي التي ولدته حقيقة دون الأب، فهذه أربعة أوجه؛ ولهذا يقال‏:‏ ولد لفلان مولود، ولد لي ولد‏.‏
/وهذه الآية توجب رزق المرتضع على أبيه، لقوله‏:‏ ‏{‏وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عليهنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 6‏]‏، فأوجب نفقته حملا ورضيعا بواسطة الإنفاق على الحامل والمرضع، فإنه لا يمكن رزقه بدون رزق حامله ومرضعه، فسئلت‏:‏ فأين نفقة الولد على أبيه بعد فطامه‏؟‏ فقلت‏:‏ دل عليه النص تنبيها، فإنه إذا كان في حال اختفائه وارتضاعه أوجب نفقة من تحمله وترضعه، إذ لا يمكن الإنفاق عليه إلا بذلك، فالإنفاق عليه بعد فصاله إذا كان يباشر الارتزاق بنفسه أولى وأحري، وهذا من حسن الاستدلال‏.‏
فقد تضمن الخطاب التنبيه بأن الحكم في المسكوت أولى منه في المنطوق، وتضمن تعليل الحكم بكون النفقة إنما وجبت على الأب لأنه هو الذي له الولد دون الأم، ومن كان الشيء له كانت نفقته عليه؛ ولهذا سمي الولد كسبا في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ ‏[‏المسد‏:‏ 2‏]‏، وفي قوله‏:‏ ‏(‏إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه‏)‏‏.‏