سئل: عن طائفتين من الفلاحين اقتتلتا فكسرت إحداهما الأخرى وانهزمت؟
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن طائفتين من الفلاحين اقتتلتا، فكسرت إحداهما الأخري؛ وانهزمت المكسورة، وقتل منهم بعد الهزيمة جماعة‏:‏ فهل يحكم للمقتولين من المهزومين بالنار، ويكونون داخلين في قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏القاتل والمقتول في النار‏)‏ أم لا‏؟‏ وهل يكون حكم المنهزم حكم من يقتل منهم في المعركة‏؟‏ أم لا‏؟‏
/فأجاب‏:‏
الحمد لله، إن كان المنهزم قد انهزم بنية التوبة عن المقاتلة المحرمة لم يحكم له بالنار؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات‏.‏
وأما إن كان انهزامه عجزًا فقط، ولو قدر علي خصمه لقتله، فهو في النار؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار‏)‏ قيل‏:‏ يارسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏(‏إنه أراد قتل صاحبه‏)‏، فإذا كان المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه، فالمنهزم بطريق الأولي؛ لأنهما اشتركا في الإرادة والفعل، والمقتول أصابه من الضرر ما لم يصب المهزوم؛ ثم إذا لم تكن هذه المصيبة مكفرة لإثم المقاتلة، فلأن لا تكون مصيبة الهزيمة مكفرة أولي، بل إثم المنهزم المصر علي المقاتلة أعظم من إثم المقتول في المعركة، واستحقاقه للنار أشد؛ لأن ذلك انقطع عمله السيئ بموته، وهذا مصر علي الخبث العظيم؛ ولهذا قالت طائفة من الفقهاء‏:‏ إن منهزم البغاة يقتل إذا كان له طائفة يأوي إليها فيخاف عوده، بخلاف المثخن بالجرح منهم فإنه لا يقتل‏.‏ وسببه أن هذا انكف شره، والمنهزم لم ينكف شره‏.‏
وأيضًا فالمقتول قد يقال‏:‏ إنه بمصيبة القتل قد يخفف عنه العذاب، وإن كان من أهل النار، ومصيبة الهزيمة دون مصيبة القتل‏.‏ فظهر أن المهزوم أسوأ حالاً من المقتول إذا كان مصرًا علي قتل أخيه، ومن تاب فإن الله غفور رحيم‏.‏