تخصيص الرسول لأبي بكر بالصحبة
 
ولما كان لأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من مزية الصحبة ما تميز به على جميع الصحابة، خصه بذلك في الحديث الصحيح، الذي رواه البخاري عن أبي الدرداء، أنه كان بين أبي بكر وعمر كلام، فطلب أبو بكر من عمر أن يستغفر له فامتنع عمر، وجاء أبو بكر إلي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما جري، ثم إن عمر ندم، فخرج يطلب أبا بكر في بيته، فذكر له أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء عمر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لأبي بكر، وقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس، إني جئت إليكم فقلت‏:‏ إني رسول الله إليكم، فقلتم‏:‏ كذبت‏.‏ وقال أبو بكر‏:‏ صدقت، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي‏؟‏‏!‏ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي‏؟‏‏!‏‏)‏، فما أوذي بعدها‏.‏ فهنا خصه باسم الصحبة، كما خصه به القرآن في قوله تعالي‏:‏/ ‏{‏ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 40‏]‏، وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ذلك العبد ما عند الله‏)‏، فبكي أبو بكر، فقال‏:‏ بل نفديك بأنفسنا؛ وأموالنا‏.‏ قال‏:‏ فجعل الناس يعجبون أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي، سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر‏)‏، وهذا من أصح حديث يكون باتفاق العلماء العارفين بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وأحواله‏.‏
والمقصود أن الصحبة فيها خصوص وعموم، وعمومها يندرج فيه كل من رآه مؤمنًا به، ولهذا يقال‏:‏ صحبته سنة، وشهرًا، وساعة، ونحو ذلك‏.‏