سئل: عن الغنم والبقر ونحو ذلك إذا أصابه الموت وأتاه الإنسان هل يذكى شيئًا منه؟
 
وسئل ـ رحمه الله ـ عن الغنم، والبقر ونحو ذلك إذا أصابه الموت وأتاه الإنسان هل يذكى شيئًا منه وهو متيقن حياته حين ذبحه، وأن بعض الدواب لم يتحرك منه جارحة حين ذكاته‏:‏ فهل الحركة تدل على وجود الحياة، وعدمها يدل على عدم الحياة، أم لا‏؟‏ فإن غالب الناس يتحقق حياة الدابة عند ذبحها وإراقة دمها ولم تتحرك، فيقول‏:‏ إنها ميتة فيرميها‏؟‏ وهل الدم الأحمر الرقيق الجاري حين الذبح يدل على أن فيها حياة مستقرة، والدم الأسود الجامد القليل دم الموت، أم لا‏؟‏ وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا‏)‏‏.‏
فأجاب‏:‏
الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلاَّ مّا ذّكَّيًتٍمً‏}‏ عائد إلى ما تقدم، من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وأكلية السبع، عند عامة العلماء؛ كالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي حنيفة، وغيرهم ـ فما أصابه قبل أن يموت أبيح‏.‏
لكن تنازع العلماء فيما يذكى من ذلك، فمنهم من قال‏:‏ ما تيقن موته لا يذكى، كقول مالك، ورواية عن أحمد‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ ما يعيش معظم اليوم ذكى‏.‏ ومنهم من يقول‏:‏ ما كانت فيه حياة مستقرة ذكى، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد‏.‏ ثم من هؤلاء من يقول‏:‏ الحياة المستقرة ما يزيد على حركة المذبوح، ومنهم من يقول‏:‏ ما يمكن أن يزيد على حياة المذبوح‏.‏ والصحيح‏:‏ أنه إذا كان حيًا فذكى حل أكله، ولا يعتبر في ذلك حركة مذبوح؛ فإن حركات المذبوح لا تنضبط؛ بل فيها ما يطول زمانه وتعظم حركته‏.‏ وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا‏)‏، فمتى جرى الدم الذي يجرى من المذبوح الذي ذبح وهو حي حل أكله‏.‏
والناس يفرقون بين دم ما كان حيًا ودم ما كان ميتًا؛ فإن الميت يجمد دمه ويسود؛ ولهذا حرم الله الميتة؛ لاحتقان الرطوبات فيها، فإذا جرى منها الدم الذي يخرج من المذبوح الذي ذبح وهو حى حل أكله، وإن تيقن / أنه يموت؛ فإن المقصود ذبح، وما فيه حياة فهو حى وإن تيقن أنه يموت بعد ساعة، فعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تيقن أنه يموت وكان حيًا، جازت وصيته، وصلاته وعهوده‏.‏
وقد أفتى غير واحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بأنها إذا مصعت بذنبها أو طرفت بعينها، أو ركضت برجلها بعد الذبح، حلت، ولم يشرطوا أن تكون حركتها قبل ذلك أكثر من حركة المذبوح، وهذا قاله الصحابة؛ لأن الحركة دليل على الحياة، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم إذا لم يوجد هذا منها أن تكون ميتة، بل قد تكون حية وإن لم يوجد منها مثل ذلك‏.‏ والإنسان قد يكون نائمًا فيذبح وهو نائم ولا يضطرب، وكذلك المغمى عليه يذبح ولا يضطرب، وكذلك الدابة قد تكون حية فتذبح ولا تضطرب لضعفها عن الحركة وإن كانت حية، ولكن خروج الدم الذي لا يخرج إلا من مذبوح وليس هو دم الميت دليل على الحياة، والله أعلم‏.‏