المقدمة الأولى‏:‏ أن اليمين تشتمل على جملتين
 
المقدمة الأولى‏:‏ أن اليمين تشتمل على جملتين‏:‏ جملة مقسم بها، وجملة مقسم عليها‏.‏ ومسائل الأيمان إما في حكم المحلوف به، وإما في حكم المحلوف عليه‏.‏ فأما المحلوف به فالأيمان التي يحلف بها المسلمون مما قد يلزم بها حكم ستة أنواع ليس لها سابع‏:‏
أحدها‏:‏ اليمين بالله، وما في معناها مما فيه التزام كفر على تقدير الخبر؛ كقوله‏:‏ هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، على ما فيه من الخلاف بين الفقهاء‏.‏
الثاني‏:‏ اليمين بالنذر الذي يسمى نذر اللجاج والغضب؛ كقوله‏:‏ على الحج لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا فعلى الحج، أو مالي صدقة إن فعلت كذا، ونحو ذلك‏.‏
الثالث‏:‏ اليمين بالطلاق‏.‏
الرابع‏:‏ اليمين بالعتاق‏.‏
الخامس‏:‏ اليمين بالحرام؛ كقوله‏:‏ على الحرام لا أفعل كذا‏.‏
السادس‏:‏ الظهار؛ كقوله‏:‏ أنت على كظهر أمي إن فعلت كذا فهذا مجموع ما يحلف به المسلمون مما فيه حكم‏.‏
/فأما الحلف بالمخلوقات كالحلف بالكعبة، أو قبر الشيخ، أو بنعمة السلطان، أو بالسيف، أو بجاه أحد من المخلوقين، فما أعلم بين العلماء خلافاً أن هذه اليمين مكروهة منهي عنها، وأن الحلف بها لا يوجب حنثاً، ولا كفارة، وهل الحلف بها محرم، أو مكروه كراهة تنزيه‏؟‏ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره‏:‏ أصحهما أنه محرم‏.‏
ولهذا قال أصحابنا كالقاضي أبي يعلى وغيره‏:‏ إنه إذا قال‏:‏ أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا، لزمه ما يفعله في اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهار، ولم يذكروا الحرام؛ لأن يمين الحرام ظهار عند أحمد وأصحابه، فلما كان موجبها واحدا عندهم دخل الحرام في الظهار، ولم يدخل النذر في اليمين بالله وإن جاز أن يكفر يمينه بالنذر؛ لأن موجب الحلف بالنذر المسمى بنذر اللجاج والغضب عند الحنث هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذور، وموجب الحلف بالله هو التكفير فقط، فلما اختلف موجبهما جعلوهما يمينين، نعم إذا قالوا بالرواية الأخرى عن أحمد، وهو أن الحلف بالنذر موجبه الكفارة فقط دخلت اليمين بالنذر في اليمين بالله تعالى، أما اختلافهم واختلاف غيرهم من العلماء في أن مثل هذا الكلام، هل تنعقد به اليمين، أولا تنعقد‏؟‏ فسأذكره إن شاء الله تعالى، وإنما غرضي هنا حصر الأيمان التي يحلف بها المسلمون‏.‏
وأما أيمان البيعة فقالوا‏:‏ أول من أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت السنة أن الناس يبايعون الخلفاء كما بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم / يعقدون البيعة كما يعقدون عقد البيع والنكاح ونحوها، وإما أن يذكروا الشروط التي يبايعون عليها، ثم يقولون‏:‏ بايعناك على ذلك، كما بايعت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، فلما أحدث الحجاج ما أحدث من العسف كان من جملته أن حلف الناس على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق والعتاق واليمين بالله وصدقة المال، فهذه الأيمان الأربعة هي كانت أيمان البيعة القديمة المبتدعة ثم أحدث المستخلفون عن الأمراء من الخلفاء والملوك وغيرهم أيماناً كثيرة أكثر من تلك، وقد تختلف فيها عاداتهم، ومن أحدث ذلك فعليه إثم ما ترتب على هذه الأيمان من الشر‏.‏