فـصــل: إذا حلف بالظهار أو بالحرام علي حظ أو منع فحنث
 
فـصــل
ويتصل بهذا ‏[‏ إذا حلف بالظهار أو بالحرام ‏]‏ علي حظ أو منع، كقوله‏:‏ إن فعلت هذا فأنت علي كظهر أمي، أو حرام، أو الحرام يلزمني، أو الظهار لا أفعله، أو لأفعله، فهذا قول أصحابنا فيه إذا حنث بالظهار، كما أنه يقع به الطلاق والعتق؛ ولهذا قالوا في أيمان المسلمين‏:‏ منها الظهار‏.‏ / وكنت أفتي بهذا تقليدًا، ولما ذكروه من الحجة من أنه حكم معلق بشرط كما لو قال‏:‏ إن فعلت هذا فأنت علي حرام، عقوبة لها علي فعله‏.‏
وأفتيت بعد هذا أن عليه كفارة يمين إذا كان مقصوده عدم الفعل وعدم التحريم، كما قلناه في مسألة نذر اللجاج والغضب وكما قلناه في قوله‏:‏ هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، وقوله‏:‏ هو يستحل الخمر والميتة إن فعل كذا، فإنه لما لم يكن مقصوده الحكم عند الشرط، وإنما الغرض الامتناع من فعل، فكذلك إذا قال‏:‏ الحل علي حرام إن فعل كذا، وليس غرضه تحريم الحلال عند الفعل، وإنما غرضه الامتناع من الفعل وذكر التزام ذلك تقديرًا تحقيقا للمنع، كما ذكر التزام التهود والتنصر تقديرًا، كما أنه معني اليمين بالله هتكت حرمة الإيمان بالله إن فعلت هذا، أو نقصت حرمة الله،أو استخففت بحرمة الله إن فعلت‏.‏
وموجب الأيمان كلها من جهة اللفظ الوفاء، وأنه متي حنث فقد هتك إيمانه، وأنه تهود وتنصر، كما أن موجب نذر اللجاج والغضب من اللفظ وجوب الوفاء؛ فإن الحكم المعلق بشرط يجب عند وجوده، والحالف بشيء علي فعل قد التزم ذلك الفعل وجعله معلقا بمعظمه المحلوف به فمتي لم يفعله فقد هتك تلك الحرمة‏.‏
/وقوله‏:‏ أحلف بالله، أو بكذا، في معني قوله‏:‏ أعقده به، وألصقه به؛ ولهذا يسمي المصاحب حليفًا كما كان يقال لعثمان‏:‏ حليف المحراب وعلته لا يتخلف؛ ولهذا قيل‏:‏ إن الباء لإلصاق المحلوف عليه بالمحلوف به، وإنما أتي بلام القسم توكيدًا ثانيا، كأنه قال‏:‏ ألصق وأعتقد بالله مضمون قولي لأفعلن‏.‏
ولهذا سمي التكفير قبل الحنث تحلة؛ لأنه يحل هذا العقد الذي عقد بالمحلوف به، مثل فسخ البيع الذي يحل ما بين البائع والمشتري من الانعقاد‏.‏ فالشارع جعل الأيمان من باب العقود الجائزة بهذا البدل؛ لا من اللازمة مطلقا، ولما كان العقد بين المحلوف عليه والمحلوف به وهو الله ـ سبحانه ـ سوغ سبحانه لعبده أن يحل هذا العقد الذي عقد لي وبي بالكفارة التي هي عبادة وقربة، وكان العبد مخيرًا بين تمام عقده، وبين حله بالبدل المشروع؛ إذ كان العبد هو الذي عقد هذا المحلوف عليه بالله ـ سبحانه ـ كما كانوا في أول الإسلام مخيرين بين الصيام الذي أوجبه وبين تركه بالكفارة، وكما أن المعتمر في أشهر الحج إذا أراد أن يحج من عامه مخير بين أن ينشئ للحج سفرًا وبين أن يتركه بهدي التمتع، فهو مخير في إكمال الحج بالسفر أو بالهدي‏.‏
ولهذا قلنا‏:‏ ليس جبرانًا؛ لأن دم الجبران لا يخير في سببه كترك الواجبات، وإنما هو هدي واجب، كأنه مخير بين العبادة البدنية المحضة / أو البدنية المالية وهو‏:‏ الهدي، ولكن قد يقال‏:‏ إذا كان واجبًا فلا يؤكل منه بخلاف التطوع‏؟‏ قلنا هدي النذر ـ أيضا ـ فيه خلاف، وما وجب معينًا يأكل منه باتفاق؛ لأن نفس الذابح لله مهديا إلي بيته أعظم المقصودين؛ ولهذا اختلف العلماء في وجوب تفرقته في الحرم، وإن كنا نحن نوجب ذلك فيما هو هدي دون ما هو نسك؛ ليظهر تحقيقه بتسميته هديا، وهو الإهداء إلي الكعبة‏.‏
فإذا ظهر أن المقتضي للوفاء قائم وإنما الشارع جعل الكفارة رخصة، ثم قد يجب وقد يستحب كما في أكل المضطر للميتة، فهذا المعني موجود في نذر اللجاج والغضب وما أشبهه، وكذلك في قوله‏:‏ إن فعلت كذا فأنت علي حرام، بخلاف ما لو أراد ثبوت التحريم عقوبة لها، مثل أن يقول لها أو لأمها‏:‏ إن فعلت كذا فأنت علي حرام، فهنا يكون مقصوده ثبوت التحريم كما أن في نذر التبرر مقصوده ثبوت الوجوب، وكما في الخلع مقصوده أخذ العوض، ونحو ذلك، فهذا التفريق متوجه علي أصلنا فإنا كما فرقنا في التزام الإيجاب المعلق ينبغي أن نفرق في التزام التحريم المعلق‏.‏
وينبغي أن نخيره إذا حنث بين الوفاء بالتحريم وبين تكفير يمينه كما خيرناه في النذر‏.‏
/ثم إن طردنا في الطلاق والعتاق ـ كما يتخرج علي أصولنا وكما يؤثر عن الصحابة ـ جعل العتق داخلا في نذر اللجاج‏.‏ وعن طاووس وغيره أنهم كانوا لا يرون الحلف بالطلاق
شيئـا، وتوقف الراوي‏:‏ هل كان طاووس يعدها يمينا‏؟‏ فهو متوجه، وهو أقوى ـ إن شـاء الله ـ ولا حول قوة إلا بالله
فرقنا بين الطلاق والعتق وبين الحرام والظهار فمتوجه ـ أيضا ـ لأنه هناك علق نفس الوقوع الذي لا يعلق بمشيئة، وهناك علق يمينا، كأنه قال‏:‏ إن فعلت هذا فعلى يمين حرام، أو فعلى يمين ظهار، أو إن فعلت هذا صرت مظاهرًا ومحرمًا‏.‏ وهو إذا صار مظاهرًا محرما لم يقع به شيء، وإنما يثبت تحريم تزيله الكفارة، فصار مثل قوله‏:‏ إن فعلت كذا فعلى حجة، أو فأنا حاج، أو أنا محرم، وهذا فيه نظر فليتحقق‏.