سئل: عمن نذر صوم يوم العيد ؟
 
/قلت‏:‏ ابن عمر كان من حاله أن يتوقف عن النذر للمعصية لا يأمر فيه لا بوفاء ولا ترك، كما سئل عمن نذر صوم يوم العيد فقال‏:‏ أمر الله بالوفاء بالنذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم؛ وذلك أنه تعارض عنده دليلان‏:‏ الأمر، والنهي‏.‏ ولم يتبين له أن الأمر بوفاء النذر مقيد بطاعة الله؛ ولهذا نقل مالك في موطئه‏:‏ الحديث الذي أخرجه البخاري بعده عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن ندر أن يعصى الله فلا يعصه‏)‏، مع أن القرآن ليس فيه أمر بالوفاء بالنذر بلفظ النذر مطلقًا؛ إذ قوله‏:‏ ‏{‏يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏7‏]‏ خبر وثناء، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏29‏]‏ خاص، لكن الله أمر بالوفاء بالعهود والعقود، والنذر من ذلك، فهذا والله أعلم معنى قولهما‏:‏ أمر الله بالوفاء بالنذر‏.‏ وهذه حال من يجعل العهود والعقود مقتضية للوفاء مطلقًا من غير اعتبار في المعقود عليه‏.‏ وهذا كثيرًا ما يعرض لبعض أهل الورع كما عرض لابن عمر، حتى إنهم يمتنعون عن نقض كثير من العهود والعقود المخالفة للشريعة، وهم يتورعون ـ أيضًا ـ عن مخالفة الشريعة، فيبقون في الحيرة‏!‏
وأما ابن عباس فعنه في هذه المسألة روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ هذا، والأخرى‏:‏ عليه ذبح كبش، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وقول أبي حنيفة وغيره، وهذا هو الذي يناسب الشريعة، دون الاحتجاج بقصة عبد المطلب، فإن عمل أهل الجاهلية لا يحتج به أصلاً إلا إذا أقره الإسلام،/ لكن ابن عباس احتج به؛ لكون الدية أقرها الإسلام وهي بدل النفس، فرأى هذا البدل يقوم مقام المبدل في الافتداء، ثم جعل الافتداء بالكبش اتباعًا لقصة إبراهيم وهو الأنسب، والرواية الأخرى عن أحمد عليه كفارة يمين كسائر نذور المعصية‏.‏
والذي أفتى به مروان أنه لا شيء عليه هو قول الشافعي وأحمد في رواية وكل من يقول‏:‏ نذر المعصية لا شيء فيه‏.‏
وهذا النذر ظاهره نذر يمين، لكن المعروف عن ابن عمر وابن عباس أن ذلك يمين يكفرها‏.‏ فتبين أنه كان نذر تبرر كنذر عبد المطلب، ولكن مالك وغيره من أهل المدينة لا يفرقون بين البابين فرووا القصة بالمعنى الذي عندهم‏.‏