فصـــل: قاعدة العهود والعقود
 
وقال ـ رحمه الله تعالى ‏:‏
فصـــل
قد كتبت في قاعدة العهود والعقود‏:‏ القاعدة في العهود الدينية في القواعد المطلقة، والقاعدة في العقود الدنيوية في القواعد الفقهية، وفي كتاب النذر ـ أيضًا ـ أن ما وجب بالشرع إذا نذره العبد أو عاهد الله عليه أو بايع عليه الرسول أو الإمام أو تحالف عليه جماعة فإن هذه العهود / والمواثيق تقتضي له وجوبًا ثانيًا غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول فتكون واجبة من وجهين، بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقه ناقض العهود والميثاق، وما يستحقه عاصى الله ورسوله‏.‏ هذا هو التحقيق‏.‏
ومن قال من أصحابنا إنه إذا نذر واجبًا فهو بعد النذر، كما كان قبل النذر، بخلاف نذر المستحب، فليس كما قال، بل النذر إذا كان يوجب فعل المستحب فإيجابه لفعل الواجب أولى، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل هما وجوبان من نوعين لكل نوع حكم غير حكم الآخر، مثل الجدة إذا كانت أم أم أم، وأم أم أب، فإن فيها سببين كل منهما تستحق به السدس‏.‏
وكذلك من قال من أصحابنا‏:‏ إن الشروط التي هي من مقتضى العقد لا يصح اشتراطها، أو قال‏:‏ تفسد حتى قال بعض أصحاب الشافعي إذا قال‏:‏ زوجتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان كان النكاح فاسدًا؛ لأنه شرط فيه الطلاق، فهذا كلام فاسد جدًا؛ فإن العقود إنما وجبت موجباتها لإيجاب المتعاقدين لها على أنفسهما، ومطلق العقد له معنى مفهوم، فإذا أطلق كانا قد أوجبا ما هو المفهوم منه، فإن موجب العقد هو واجب بالعقد كموجب النذر لم يوجبه الشارع ابتداء وإنما أوجب الوفاء بالعقود، كما أوجب الوفاء بالنذر‏.‏ فإذا كان له موجب معلوم بلفظ مطلق أو بعرف وصرح المتعاقدان بإيجابه بلفظ خاص كان هذا من باب عطف الخاص على العام، فيكون العاقد / قد أوجبه مرتين، أو جعل له إيجابًا خاصًا يستغنى به عن الإيجاب العام‏.‏ وفي القرآن من هذا نظائر مثل قوله‏:‏ ‏{‏وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 98‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 7‏]‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 59‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏‏.‏