سئل: عن امرأة ماتت وخلفت أولادا منهم أربعة أشقاء‏.و لأم فأقرت للأشقاء في مرض موتها؟
 
وسـئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة ماتت وخلفت أولادا منهم أربعة أشقاء‏.‏ ذكر واحد، وثلاث بنات، وولد واحد أخوهم من أمهم الجملة خمسة وزوج لم يكن لها منه ولد، وأنها أقرت في مرضها المتصل بالموت لأولادها الأشقاء بأن لهم في ذمتها ألف درهم وقصدت كذلك إحرام ولدها وزوجها من الإرث‏.‏
/فأجاب‏:‏
إذا كانت كاذبة في هذا الإقرار فهي عاصية لله ورسوله باتفاق المسلمين، بل هي من أهل الكبائر الداخلة في الوعيد، فإن الجور في الوصية من الكبائر ‏(‏ومن قطع ميراثاً قطع الله ميراثه من الجنة‏)‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 13،14‏]‏، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن العبد ليعمل ستين سنة بطاعة الله، ثم يجور في وصيته فيختم له بسوء فيدخل النار، وإن العبد ليعمل ستين سنة بمعصية الله ثم يختم له بخير فيعدل في وصيته فيدخل الجنة‏)‏، ثم قرأ هذه الآية ‏{‏ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ ‏}‏‏.‏
ومن أعانها على هذا الكذب والظلم فهو شريكها فيه من كاتب ومشير وغير ذلك، فكل هؤلاء متعاونون على الإثم والعدوان‏.‏ ومن لقنها الإقرار الكذب من الشهود فهو فاسق مردود الشهادة‏.‏
وأما إن كانت صادقة فهي محسنة في ذلك مطيعة لله ولرسوله، ومن أعانها على ذلك لأجل الله تعالى‏.‏ وأما في ظاهر الحكم فأكثر العلماء لا يقبلون هذا الإقرار كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم؛ لأن التهمة فيه ظاهرة؛ ولأن حقوق الورثة تعلقت بمال الميت بالمرض، فصار محجورًا عليه في حقهم ليس له أن يتبرع لأحدهم بالإجماع‏.‏
/ومن العلماء من يقبل الإقرار كالشافعي، بناء على حسن الظن بالمسلم وأنه عند الموت لا يكذب ولا يظلم، والواجب على من عرف حقيقة الأمر في هذه القصة ونحوها أن يعاونوا على البر والتقوي، لا يعاونون على الإثم والعدوان‏.‏ وينبغي الكشف عن مثل هذه القضية، فإن وجد شواهد خلاف هذا الإقرار عمل به، وإن ظهر شواهد كذبه أبطل‏.‏ فشواهد الصدق مثل أن يعرف أنه كان لأب هؤلاء الأربعة مال نحو هذا المقر به، وشواهد الكذب بينات يعلم من بعضها أنها تريد حرمان ابنها وزوجها من الميراث؛ فإن ظهر شواهد أحد الجانبين ترجح ذلك الجانب، والله أعلم‏.‏