سئل: عن ‏[‏الحلاج الحسين بن منصور‏]‏ هل كان صديقًا‏؟‏
 
/ما تقول السادة العلماء ـ رضي الله عنهم ـ في ‏[‏الحلاج الحسين بن منصور‏]‏ هل كان صديقًا‏؟‏ أو زنديقًا‏؟‏ وهل كان وليًا للّه متقيا له‏؟‏ أم كان له حال رحماني‏؟‏ أو من أهل السحر والخزعبلات‏؟‏ وهل قتل علي الزندقة بمحضر من علماء المسلمين‏؟‏ أو قتل مظلومًا‏؟‏ أفتونا مأجورين‏؟‏
فأجاب شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ـ قدس الله روحه‏:‏ الحمد لله رب العالمين، الحلاج قتل علي الزندقة، التي ثبتت عليه بإقراره، وبغير إقراره والأمر الذي ثبت عليه بما يوجب القتل باتفاق المسلمين‏.‏ ومن قال‏:‏ إنه قتل بغير حق فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال‏.‏ والذي قتل به ما استفاض عنه من أنواع الكفر، وبعضه يوجب قتله، فضلاً عن جميعه‏.‏ ولم يكن من أولياء الله المتقين، بل كان له عبادات ورياضات ومجاهدات، بعضها شيطاني، وبعضها نفساني، وبعضها موافق للشريعة من وجه دون وجه، فلبس الحق بالباطل‏.‏
وكان قد ذهب إلي بلاد الهند، وتعلم أنواعاً من السحر، وصنف كتابا في السحر معروفًا، وهو موجود إلي اليوم، وكان له أقوال شيطانية، ومخاريق بهتانية‏.‏
/وقد جمع العلماء أخباره في كتب كثيرة أرخوها، الذين كانوا في زمنه، والذين نقلوا عنهم مثل أبي علي الحطي ذكره في ‏[‏تاريخ بغداد‏]‏ والحافظ أبو بكر الخطيب ذكر له ترجمة كبيرة في ‏[‏تاريخ بغداد‏]‏ وأبو يوسف القزويني صنف مجلدًا في أخباره، وأبو الفرج بن الجوزي له فيه مصنف سماه‏:‏ ‏[‏رفع اللجاج في أخبار الحلاج‏]‏‏.‏ وبسط ذكره في تاريخه أبو عبد الرحمن السلمي في ‏[‏طبقات الصوفية‏]‏ أن كثيرا من المشائخ ذموه وأنكروا عليه، ولم يعدوه من مشائخ الطريق‏.‏ وأكثرهم حط عليه‏.‏ وممن ذمه وحط عليه أبو القاسم الجنيد، ولم يقتل في حياة الجنيد، بل قتل بعد موت الجنيد؛ فإن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومئتين‏.‏
والحلاج قتل سنة بضع وثلاثمائة، وقدموا به إلي بغداد راكباً علي جمل ينادي عليه‏:‏ هذا داعي القرامطة‏!‏ وأقام في الحبس مدة حتي وجد من كلامه الكفر والزندقة، واعترف به، مثل أنه ذكر في كتاب له‏:‏ من فاته الحج فإنه يبني في داره بيتًا ويطوف به، كما يطوف بالبيت، ويتصدق علي ثلاثين يتيمًا بصدقة ذكرها، وقد أجزأه ذلك عن الحج‏.‏ فقالوا له‏:‏ أنت قلت هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فقالوا له‏:‏ من أين لك هذا‏؟‏ قال‏:‏ ذكره الحسن البصري في‏[‏كتاب الصلاة‏]‏، فقال له القاضي أبو عمر‏:‏ تكذب يازنديق‏!‏ أنا قرأت هذا الكتاب وليس هذا فيه، فطلب منهم الوزير أن يشهدوا بما سمعوه، ويفتوا بما يجب عليه، فاتفقوا علي وجوب قتله‏.‏
/لكن العلماء لهم قولان في الزنديق إذا أظهر التوبة‏:‏ هل تقبل توبته فلا يقتل‏؟‏ أم يقتل؛ لأنه لا يعلم صدقه؛ فإنه ما زال يظهر ذلك‏؟‏ فأفتي طائفة بأنه يستتاب فلا يقتل، وأفتي الأكثرون بأنه يقتل وإن أظهر التوبة، فإن كان صادقًا في توبته نفعه ذلك عند الله وقتل في الدنيا، وكان الحد تطهيرًا له، كما لو تاب الزاني والسارق ونحوهما بعد أن يرفعوا إلي الإمام، فإنه لابد من إقامة الحد عليهم، فإنهم إن كانوا صادقين كان قتلهم كفارة لهم، ومن كان كاذبًا في التوبة كان قتله عقوبة له‏.‏
فإن كان الحلاج وقت قتله تاب في الباطن فإن الله ينفعه بتلك التوبة، وإن كان كاذبًا فإنه قتل كافرًا‏.‏
ولما قُتل لم يظهر له وقت القتل شيء من الكرامات، وكل من ذكر أن دمه كتب علي الأرض اسم الله، وأن رجله انقطع ماؤها، أو غير ذلك، فإنه كاذب‏.‏ وهذه الأمور لا يحكيها إلا جاهل أو منافق، وإنما وضعها الزنادقة وأعداء الإسلام، حتي يقول قائلهم‏:‏ إن شرع محمد بن عبد الله يقتل أولياء الله‏.‏ حتي يسمعوا أمثال هذه الهذيانات، وإلا فقد قتل أنبياء كثيرون، وقتل من أصحابهم وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم من الصالحين من لا يحصي عددهم إلا الله، قتلوا بسيوف الفجار والكفار والظلمة غيرهم، ولم يكتب دم أحدهم اسم الله‏.‏ والدم أيضًا نجس،/ فلا يجوز أن يكتب به اسم الله تعالي‏.‏ فهل الحلاج خير من هؤلاء، ودمه أطهر من دمائهم‏؟‏‏!‏ وقد جزع وقت القتل، وأظهر التوبة والسنة فلم يقبل ذلك منه‏.‏ ولو عاش افتتن به كثير من الجهال؛ لأنه كان صاحب خزعبلات بهتانية، وأحوال شيطانية‏.‏
ولهذا إنما يعظمه من يعظم الأحوال الشيطانية، والنفسانية، والبهتانية‏.‏ وأما أولياء الله العالمون بحال الحلاج فليس منهم واحد يعظمه؛ ولهذا لم يذكره القشيري في مشائخ رسالته، وإن كان قد ذكر من كلامه كلمات استحسنها‏.‏ وكان الشيخ أبو يعقوب النهرجوري قد زوجه بابنته، فلما اطلع علي زندقته نزعها منه‏.‏ وكان عمرو بن عثمان يذكر أنه كافر، ويقول‏:‏ كنت معه فسمع قارئًا يقرأ القرآن، فقال‏:‏ أقدر أن أصنف مثل هذا القرآن‏.‏ أو نحو هذا من الكلام‏.‏
وكان يظهر عند كل قوم ما يستجلبهم به إلي تعظيمه، فيظهر عند أهل السنة أنه سني، وعند أهل الشيعة أنه شيعي، ويلبس لباس الزهاد تارة، ولباس الأجناد تارة‏.‏
وكان من ‏[‏مخاريقه‏]‏ أنه بعث بعض أصحابه إلي مكان في البرية يخبأ فيه شيئًا من الفاكهة والحلوي، ثم يجيء بجماعة من أهل الدنيا إلي قريب من / ذلك المكان، فيقول لهم‏:‏ ما تشتهون أن آتيكم به من هذه البرية‏؟‏ فيشتهي أحدهم فاكهة، أو حلاوة، فيقول‏:‏ امكثوا، ثم يذهب إلي ذلك المكان ويأتي بما خبأ أو ببعضه، فيظن الحاضرون أن هذه كرامة له‏!‏‏!‏ وكان صاحب سيما وشياطين تخدمه أحيانًا، كانوا معه علي جبل أبي قُبَيْس، فطلبوا منه حلاوة، فذهب إلي مكان قريب منهم وجاء بصحن حلوي، فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن، حمله شيطان من تلك البقعة‏.‏
ومثل هذا يحصل كثيرًا لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونحن نعرف كثيرًا من هؤلاء في زماننا وغير زماننا؛ مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلي قرية حول دمشق، فيجيء من الهوي إلي طاقة البيت الذي فيه الناس، فيدخل وهم يرونه‏.‏ ويجيء بالليل إلي ‏[‏باب الصغير‏]‏ فيعبر منه هو ورفقته، وهو من أفجر الناس‏.‏
وآخر كان بالشويك، في قرية يقال لها‏:‏ ‏[‏الشاهدة‏]‏ يطير في الهوي إلي رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطان يحمله، وكان يقطع الطريق‏.‏ وأكثرهم شيوخ الشر، يقال لأحدهم ‏[‏البوي‏]‏أي المخبث، ينصبون له حركات في ليلة مظلمة، ويصنعون خبزًا علي سبيل القربات، فلا يذكرون الله، ولا يكون عندهم من يذكر الله، ولا كتاب فيه ذكر الله؛ ثم يصعد ذلك / البوي في الهوي، وهم يرونه‏.‏ ويسمعون خطابه للشيطان، وخطاب الشيطان له، ومن ضحك أو شرق بالخبز ضربه الدف‏.‏ ولا يرون من يضرب به‏.‏
ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه، ويأمرهم بأن يقربوا له بقرًا وخيلاً وغير ذلك، وأن يخنقوها خنقًا ولا يذكرون اسم الله عليها، فإذا فعلوا قضي حاجتهم‏.‏
وشيخ آخر أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء، ويتلوط بالصبيان الذين يقال لهم‏:‏ ‏[‏الحوارات‏]‏، وكان يقول‏:‏ يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان، فيقول لي‏:‏ فلان، إن فلانا نذر لك نذرًا، وغدًا يأتيك به، وأنا قضيت حاجته لأجلك، فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر، ويكاشفه هذا الشيخ الكافر‏.‏ قال‏:‏ وكنت إذا طلب مني تغيير مثل اللاذن أقول حتي أغيب عن عقلي؛ وإذ باللاذن في يدي، أو في فمي وأنا لا أدري من وضعه‏!‏‏!‏ قال‏:‏ وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور فلما تاب هذا الشيخ، وصار يصلي، ويصوم ويجتنب المحارم، ذهب الكلب الأسود وذهب التغيير؛ فلا يؤتي بلاذن ولا غيره‏.‏
وشيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس، فيأتي أهل ذلك المصروع إلي الشيخ يطلبون منه إبراءه، فيرسل إلي أتباعه فيفارقون ذلك / المصروع، ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحيانًا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس، حتي إن بعض الناس كان لـه تين في كـوارة، فيطلب الشيخ مـن شياطينـه تينا، فيحضرونـه له، فيطلب أصحاب الكوارة التين فوجدوه قد ذهب‏.‏
وآخر كان مشتغلاً بالعلم والقراءة، فجاءته الشياطين أغرته، وقالوا له‏:‏ نحن نسقط عنك الصلاة، ونحضر لك ما تريد، فكانوا يأتونه بالحلوي والفاكهة، حتي حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه، وأعطي أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان‏.‏
فكل من خرج عن الكتاب والسنة، وكان له حال من مكاشفة، أو تأثير، فإنه صاحب حال نفساني، أو شيطاني، وإن لم يكن له حال، بل هو يتشبه بأصحاب الأحوال فهو صاحب محال بهتاني‏.‏ وعامة أصحاب الأحوال الشيطانية يجمعون بين الحال الشيطاني والحال البهتاني، كما قال تعالي‏:‏ ‏{‏ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 221، 222‏]‏‏.‏
و‏[‏الحلاج‏]‏ كان من أئمة هؤلاء أهل الحال الشيطاني ، والحال البهتاني‏.‏ وهؤلاء طوائف كثيرة‏.‏
/فأئمة هؤلاء هم شيوخ المشركين الذين يعبدون الأصنام مثل الكهان والسحرة الذين كانوا للعرب المشركين، ومثل الكهان الذين هم بأرض الهند والترك وغيرهم‏.‏
ومن هؤلاء من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت، فيكلمهم ويقضي ديونه، ويرد ودائعه ويوصيهم بوصايا، فإنهم تأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة، وهو شيطان يتمثل في صورته، فيظنونه إياه‏.‏
وكثير ممن يستغيث بالمشائخ فيقول‏:‏ يا سيدي فلان، أو يا شيخ فلان، اقض حاجتي‏.‏ فيري صورة ذلك الشيخ تخاطبه، ويقول‏:‏ أنا أقضي حاجتك وأطيب قلبك فيقضي حاجته، أو يدفع عنه عدوه، ويكون ذلك شيطانا قد تمثل في صورته لما أشرك بالله فدعي غيره‏.‏
وأنا أعرف من هذا وقائع متعددة، حتي إن طائفة من أصحابي ذكروا أنهم استغاثوا بي في شدائد أصابتهم‏.‏ أحدهم كان خائفًا من الأرمن، والآخر كان خائفًا من التتر، فذكر كل منهم أنه لما استغاث بي رآني في الهوي وقد دفعت عنه عدوه ‏.‏ فأخبرتهم أني لم أشعر بهذا، ولا دفعت عنكم شيئًا، وإنما هذا الشيطان تمثل لأحدهم فأغواه لما أشرك بالله تعالي‏.‏ وهكذا جري لغير واحد من أصحابنا المشائخ مع أصحابهم، يستغيث أحدهم بالشيخ، فيري /الشيخ قد جاء وقضي حاجته، ويقول ذلك الشيخ‏:‏ إني لم أعلم بهذا، فيتبين أن ذلك كان شيطانا وقد قلت لبعض أصحابنا لما ذكر لي أنه استغاث باثنين كان يعتقدهما، وأنهما أتياه في الهوي، وقالا له‏:‏ طيب قلبك، نحن ندفع عنك هؤلاء، ونفعل، ونصنع‏.‏ قلت له‏:‏ فهل كان من ذلك شيء‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏ فكان هذا مما دله علي أنهما شيطانان؛ فإن الشياطين وإن كانوا يخبرون الإنسان بقضية أو قصة فيها صدق، فإنهم يكذبون أضعاف ذلك، كما كانت الجن يخبرون الكهان‏.‏
ولهذا من اعتمد علي مكاشفته التي هي من أخبار الجن كان كذبه أكثر من صدقه؛ كشيخ كان يقال له‏:‏ ‏[‏الشياح‏]‏ توبناه، وجددنا إسلامه، كان له قرين من الجن يقال له‏:‏ ‏[‏عنتر‏]‏ يخبره بأشياء، فيصدق تارة ويكذب تارة، فلما ذكرت له أنك تعبد شيطانًا من دون الله، اعترف بأنه يقول له‏:‏ يا عنتر، لا سبحانك؛ إنك إله قذر، وتاب من ذلك، في قصة مشهورة‏.‏
وقد قتل سيف الشرع من قتل من هؤلاء مثل الشخص الذي قتلناه سنة خمس عشرة، وكان له قرين يأتيه ويكاشفه فيصدق تارة، ويكذب تارة‏.‏ وقد انقاد له طائفة من المنسوبين إلي أهل العلم والرئاسة، فيكاشفهم حتي كشف الله لهم‏.‏ وذلك أن القرين كان تارة يقول له‏:‏ أنا رسول الله‏.‏ ويذكر أشياء / تنافي حال الرسول، فشهد عليه أنه قال‏:‏ إن الرسول يأتيني، ويقول لي كذا وكذا من الأمور التي يكفر من أضافها إلي الرسول؛ فذكرت لولاة الأمور أن هذا من جنس الكهان، وأن الذي يراه شيطانا؛ ولهذا لا يأتيه في الصورة المعروفة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل يأتيه في صورة منكرة، ويذكر عنه أنه يخضع له، ويبيح له أن يتناول المسكر وأمورًا أخري وكان كثيرًا من الناس يظنون أنه كاذب فيما يخبر به من الرؤية؛ ولم يكن كاذبًا في أنه رأي تلك الصورة، لكن كان كافرًا في اعتقاده أن ذلك رسول الله، ومثل هذا كثير‏.‏
ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مراد الشيطان، فكلما بعدوا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وطريق المؤمنين قربوا من الشيطان‏.‏فيطيرون في الهواء؛ والشيطان طار بهم ومنهم من يصرع الحاضرين، وشياطينه صرعتهم‏.‏ ومنهم من يحضر طعامًا وإدامًا، وملأ الإبريق ماء من الهوي، والشياطين فعلت ذلك، فيحسب الجاهلون أن هذه كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال السحرة والكهنة وأمثالهم‏.‏
ومن لم يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل، ومن لم ينور الله قلبه بحقائق الإيمان واتباع القرآن لم يعرف طريق المحق من / المبطل، والتبس عليه الأمر والحال، كما التبس علي الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء، وإنما هم كذابون، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتي يكون فيكم ثلاثون دجالون كذابون، كلهم يزعم أنه رسول الله‏)‏‏.‏
وأعظم الدجاجلة فتنة ‏[‏الدجال الكبير‏]‏ الذي يقتله عيسي ابن مريم؛ فإنه ما خلق الله من لدن آدم إلي قيام الساعة أعظم من فتنته، وأمر المسلمين أن يستعيذوا من فتنته في صلاتهم‏.‏ وقد ثبت ‏(‏أنه يقول للسماء‏:‏ أمطري، فتمطر، وللأرض أنبتي، فتنبت، وأنه يقتل رجلاً مؤمنًا، ثم يقول له‏:‏ قم فيقوم؛ فيقول‏:‏ أنا ربك، فيقول له كذبت، بل أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيقتله مرتين، فيريد أن يقتله في الثالثة فلا يسلطه الله عليه‏)‏، وهو يدعي الإلهية‏.‏ وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث علامات تنافي ما يدعيه‏:‏ أحدها‏:‏ ‏(‏أنه أعور، وأن ربكم ليس بأعور‏)‏‏.‏ والثانية‏:‏ ‏(‏أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن من قارئ وغير قارئ‏)‏‏.‏ والثالثة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏واعلموا أن أحدكم لا يري ربه حتي يموت‏)‏‏.‏
/فهذا هو الدجال الكبير ودونه دجاجلة، منهم من يدعي النبوة، ومنهم من يكذب بغير ادعاء النبوة كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم‏)‏‏.‏
فالحلاج كان من الدجاجلة بلا ريب، ولكن إذا قيل‏:‏ هل تاب قبل الموت، أم لا‏؟‏ قال الله أعلم، فلا يقول ما ليس له به علم، ولكن ظهر عنه من الأقوال والأعمال ما أوجب كفره وقتله باتفاق المسلمين والله أعلم به‏.‏