عن أبي هُرَيْرَة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، في البَحْرِ:*هُوَ الطّهُورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُهُ* أخرجهُ الأربعةُ، وابنُ أبي شَيْبَةَ، واللفظُ لَهُ، وصححهُ ابنُ خُزيمةَ، والترمذي.
 
عن أبي هُرَيْرَة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، في البَحْرِ: "هُوَ الطّهُورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُهُ" أخرجهُ الأربعةُ، وابنُ أبي شَيْبَةَ، واللفظُ لَهُ، وصححهُ ابنُ خُزيمةَ، والترمذي.
(عن أبي هريرة رضي الله عنه) الجار والمجرور متعلّق بمقدر كأنه قال: باب المياه أروي فيه، أو أذكر، أو نحو ذلك حديثاً عن أبي هريرة. وهو الأول من أحاديث الباب.
وأبو هريرة هو الصحابي الجليل الحافظ المكثر، واختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً. قال ابن عبد البر: الذي تسكن النفس إليه من الأقوال: أنه عبد الرحمن بن صخر، وبه قال محمد بن إسحاق. وقال الحاكم أبو أحمد: ذكر لأبي هريرة في مسند بقي بن مخلد خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً. وهو أكثر الصحابة حديثاً، فليس لأحد من الصحابة هذا القدر، ولا ما يقاربه. قلت: كذا في الشرح. والذي رأيته في الاستيعاب، لابن عبد البر بلفظ: إلا أن عبد الله أو عبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب في اسمه في الإسلام ثم قال فيه ـ أي الاستيعاب ـ: مات في المدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ودفن بالبقيع. وقيل: مات بالعقيق، وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، وكان يومئذ أميراً على المدينة، كما قاله ابن عبد البر.
(قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في البحر) أي: في حكمه، والبحر: الماء الكثير، أو المالح فقط كما في القاموس، وهذا اللفظ ليس من مقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، بل مقوله: (هو الطهور) بفتح الطاء، هو المصدر واسم ما يتطهر به؛ أو: الطاهر المطهر كما في القاموس. وفي الشرع: يطلق على المطهر، وبالضم مصدر. وقال سيبويه: إنه بالفتح لهما، ولم يذكره في القاموس بالضم (ماؤه) هو فاعل المصدر، وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالضمير في قوله: هو الطهور: البحر يعني مكانه، إذ لو أريد به الماء لما احتيج إلى قوله: ماؤه، إذ يصير في معنى الماء طهور ماؤه، (الحلُّ) هو مصدر حل الشيء ضد حرم، ولفظ الدارقطني الحلال (مَيْتَتُهُ) هو فاعله أيضاً (أخرجه الأربعة، وابن أبي شيبة) هو أبو بكر. قال الذهبي في حقه: الحافظ العديم النظير الثبت النحرير، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، صاحب المسند والمصنف وغير ذلك، وهو من شيوخ البخاري، ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه (واللفظ له) أي: لفظ الحديث السابق سرده لابن أبي شيبة، وغيره ممن ذكر أخرجوه بمعناه. (وصححه ابن خزيمة) بضم الخاء المعجمة فزاي بعدها مثناة تحتية فتاء تأنيث. قال الذهبي: الحافظ الكبير إمام الأئمة شيخ الإسلام، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، انتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره بخراسان (و) صححه (الترمذي) أيضاً فقال عقب سرده: هذا حديث صحيح. هذا لفظ الترمذي، كما في مختصر السنن للحافظ المنذري.
وحقيقة الصحيح عند المحدثين ما نقله عدل تام الضبط، عن مثله، متصل السند، غير معلّ، ولا شاذ.
هذا، وقد أخرج المصنف هذا الحديث في التلخيص من تسع طرق عن تسعة من الصحابة، ولم تخلُ طريق منها عن مقال، إلا أنه قد جزم بصحته من سمعت، وصححه ابن عبد البر، وصححه ابن منده، وابن المنذر، وأبو محمد البغوي.
قال المصنف: وقد حكم بصحة جملة من الأحاديث لا تبلغ درجة هذا ولا تقاربه.
قال الزرقاني في شرح الموطأ: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، تلقته الأمة بالقبول، وتداوله فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار. ثم عد من رواه، ومن صححه.
والحديث وقع جواباً عن سؤال كما في الموطأ: "أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل" وفي مسند أحمد: "من بني مدلج" وعند الطبراني "اسمه عبد الله، إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضّأنا به عطشنا، أفنتوضأ به"؟
وفي لفظ أبي داود: "بماء البحر" فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".
فأفاد صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن ماء البحر طاهر مطهر، لا يخرج عن الطهورية بحال، إلا ما سيأتي من تخصيصه بما إذا تغير أحد أوصافه، ولم يجب صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بقوله: نعم، مع إفادتها الغرض، بل أجاب بهذا اللفظ ليقرن الحكم بعلّته، وهي الطهورية المتناهية في بابها، وكأنّ السائل لما رأى ماء البحر خالف المياه بملوحة طعمه، ونتن ريحه، توهم أنه غير مراد من قوله تعالى: {} أي بالماء المعلوم إرادته من قوله: {} أو أنه لما عرف من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرَى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً} ظن اختصاصه، فسأل عنه، فأفاده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الحكم، وزاده حكماً لم يسأل عنه، وهو حل ميتته.
قال الرافعي: لما عرف صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر، أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته.
وقد يبتلى بها راكب البحر، فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة. قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى، أن يجاء في الجواب بأكثر مما سئل عنه، تتميماً للفائدة، وإفادة لعلم غير المسؤول عنه. ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم، كما هنا، لأن من توقف في طهورية ماء البحر، فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفاً. ثم المراد بميتته: ما مات فيه من دوابه: مما لا يعيش إلا فيه. لا ما مات فيه مطلقاً، فإنه وإن صدق عليه لغة أنه ميتة بحر، فمعلوم أنه لا يراد إلا ما ذكرنا. وظاهره حل ما مات فيه، ولو كان كالكلب والخنزير، ويأتي الكلام في ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.