[رح8]ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "طُهُورُ إناءِ أحدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الكَلْبُ أن يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ" أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وفي لَفظٍ لَهُ: "فَلْيُرِقْهُ". وللترمذيِّ: "أُخْراهُنَّ، أوْ أُوْلاهُنَّ بالتراب".
 
[رح8]ــ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "طُهُورُ إناءِ أحدِكُمْ إذا وَلَغَ فيه الكَلْبُ أن يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بالتُّرابِ" أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وفي لَفظٍ لَهُ: "فَلْيُرِقْهُ".
وللترمذيِّ: "أُخْراهُنَّ، أوْ أُوْلاهُنَّ بالتراب".
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: طهورَ) قال في الشرح: الأظهر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها لغتان (إناء أحدكم إذا وَلَغَ فيه الكلب) في القاموس: ولغ الكلب في الإناء وفي الشراب يلغ (كيهب) ويالغ وولغ كورث ووجل: شرب ما فيه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه (أنْ يَغْسلَهُ) أي الإناء (سبعَ مَرَّات أوُلاهُنَّ بالتراب أخرجه مسلم، وفي لفظ له فليرقه) أي الماء الذي ولغ فيه، (وللترمذي أخراهن) أي السبع (أو أولاهن بالتراب).
دل الحديث على أحكام:
أولها: نجاسة فم الكلب من حيث الأمر بالغسل لما ولغ فيه، والإراقة للماء، وقوله: طهور إناء أحدكم؛ فإنه لا غسل إلا من حدث أو نجس، وليس هنا حدث فتعين النجس، والإراقة إضاعة ماله، فلو كان طاهراً لما أمر بإضاعته؛ إذ قد نهى عن إضاعة المال، وهو ظاهر في نجاسة فمه، وألحق به سائر بدنه قياساً عليه، وذلك لأنه إذا ثبت نجاسة لعابه، ولعابه جزء من فمه؛ إذ هو عرق فمه، ففمه نجس؛ إذ العرق جزء متحلب من البدن فكذلك بقية بدنه، إلا أن من قال: إن الأمر بالغسل ليس لنجاسة الكلب قال: يحتمل أنَّ النجاسة في فمه ولعابه؛ إذ هو محل استعماله للنجاسة بحسب الأغلب، وعلق الحكم بالنظر إلى غالب أحواله من أكله النجاسات بفمه ومباشرته لها، فلا يدل على نجاسة عينه، والقول بنجاسة عينه قول الجماهير، والخلاف لمالك وداود والزهري، وأدلة الأولين ما سمعت.
وأدلة غيرهم وهم القائلون: إن الأمر بالغسل للتعبد لا للنجاسة، أنه لو كان للنجاسة لاكتفى بما دون السبع، إذ نجاسته لا تزيد على العذرة. وأجيب عنه: بأن أصل الحكم الذي هو الأمر بالغسل معقول المعنى ممكن التعليل، أي بأنه للنجاسة. والأصل في الأحكام التعليل فيحمل على الأغلب، والتعبد إنما هو في العدد فقط. كذا في الشرح وهو مأخوذ من شرح العمدة وقد حققنا في حواشيه خلاف ما قرره من أغلبية تعليل الأحكام وطوَّلنا هنالك الكلام.
الحكم الثاني: أنه دل الحديث على وجوب سبع غسلات للإناء وهو واضح. ومن قال: لا تجب السبع بل ولوغ الكلب كغيره من النجاسات والتسبيع ندب، استدل على ذلك: بأن راوي الحديث وهو أبو هريرة قال: يغسل من ولوغه ثلاث مرات، كما أخرجه الطحاوي، والدارقطني. وأجيب عن هذا: بأن العمل بما رواه عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، لا بما رآه، وأفتى به، وبأنه معارض بما روى عنه أيضاً: أنه أفتى بالغسل سبعاً وهي أرجح سنداً، وترجح أيضاً بأنها توافق الرواية المرفوعة. وبما روى عنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه قال في الكلب يلغ في الإناء: "يُغسلُ ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً" قالوا: فالحديث دل على عدم تعيين السبع وأنه مخير، ولا تخيير في معين، وأجيب عنه، بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
الحكم الثالث: وجوب التتريب للإناء لثبوته في الحديث، ثم الحديث يدل على تعيين التراب، وأنه في الغسلة الأولى. ومن أوجبه قال: لا فرق بين أن يخلط الماء بالتراب حتى يتكدر، أو يطرح الماء على التراب، أو يطرح التراب على الماء. وبعض من قال: بإيجاب التسبيع قال: لا تجب غسلة التراب لعدم ثبوتها عنده، ورد: بأنها قد ثبتت في الرواية الصحيحة بلا ريب، والزيادة من الثقة مقبولة.
وأورد على رواية التراب بأنها قد اضطربت فيها الرواية، فروى أولاهن، أو أخراهن، أو إحداهن، أو السابعة، أو الثامنة، والاضطراب قادح، فيجب الاطراح لها. وأجيب عنه: بأنه لا يكون الاضطراب قادحاً إلا مع استواء الروايات، وليس ذلك هنا كذلك؛ فإن رواية أولاهن أرجح لكثرة رواتها، وبإخراج الشيخين لها. وذلك من وجوه الترجيح عند التعارض. وألفاظ الروايات التي عورضت بها أولاهن لا تقاومها وبيان ذلك: أن رواية أخراهن منفردة لا توجد في شيء من كتب الحديث مسندة. ورواية السابعة بالتراب اختلف فيها، فلا تقاوم رواية أولاهن بالتراب، ورواية إحداهن بالحاء والدال المهملتين ليست في الأمهات، بل رواها البزار، فعلى صحتها، فهي مطلقة يجب حملها على المقيدة، ورواية أولاهن أو أخراهن بالتخيير، إن كان ذلك من الراوي فهو شك منه فيرجع إلى الترجيح، ورواية أولاهن أرجح، وإن كان كلامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فهو تخيير منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ويرجع إلى ترجيح أولاهن لثبوتها فقط عن الشيخين كما عرفت.
وقوله: "إناء أحدكم" الإضافة ملغاة هنا لأن حكم الطهارة والنجاسة لا يتوقف على ملكه الإناء، وكذا قوله: (فلْيغْسلْهُ) لا يتوقف على أن يكون مالك الإناء هو الغاسل.
وقوله: وفي لفظ "فليرقه" هي من ألفاظ رواية مسلم، وهي أمر بإراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب أو الطعام، وهي من أقوى الأدلة على النجاسة، إذ المراق أعم من أن يكون ماءاً أو طعاماً، فلو كان طاهراً لم يأمر بإراقته كما عرفت. إلا أنه نقل المصنف في فتح الباري: عدم صحة هذه اللفظة عن الحفاظ. وقال ابن عبد البر: لم ينقلها أحد من الحفاظ من أصحاب الأعمش. وقال ابن منده: لا تعرف عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بوجه من الوجوه.
نعم. أهمل المصنف ذكر الغسلة الثامنة، وقد ثبت عند مسلم "وعفروه الثامنة بالتراب". قال ابن دقيق العيد: إنه قال بها الحسن البصري، ولم يقل بها غيره، ولعل المراد بذلك من المتقدمين. والحديث قوي فيها، ومن لم يقل به احتاج إلى تأويله بوجه فيه استكراه اهـ. قلت: والوجه أي المستكره في تأويله ذكره النووي فقال: المراد: اغسلوه سبعاً واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة، ومثله قال الدميري في شرح المنهاج، وزاد: أنه أطلق الغسل على التعفير مجازاً.
قلت: لا يخفى أن إهمال المصنف لذكرها وتأويل من قال بإخراجها من الحقيقة إلى المجاز كل ذلك محاماة عن المذهب. والحق مع الحسن البصري.
هذا، وإن الأمر بقتل الكلاب ثم النهي عنه وذكر ما يباح اتخاذه منها يأتي الكلام عليه في باب الصيد إن شاء الله تعالى.