وعَنْ أنَسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فَلَمَّا قضى بَوْلَهُ أمرَ النبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بذَنُوبٍ مَنْ ماءٍ، فَأُهْرِيقَ عليْهِ مُتّفَقٌ علَيْهِ.
 
وعَنْ أنَسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء أعْرَابِيٌّ فَبَالَ في طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فَلَمَّا قضى بَوْلَهُ أمرَ النبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بذَنُوبٍ مَنْ ماءٍ، فَأُهْرِيقَ عليْهِ مُتّفَقٌ علَيْهِ.
(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه) هو أبو حمزة بالحاء المهملة والزاي الأنصاري النّجاري الخزرجي. خدم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم منذ قدم المدينة إلى وفاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقدم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم المدينة وهو ابن عشر سنين، أو ثمان، أو تسع. أقوال. سكن البصرة من خلافة عمر ليفقه الناس وطال عمره إلى مائة وثلاث وستين، وقيل: أقل من ذلك. قال ابن عبد البر: أصح ما قيل تسع وتسعون سنة. وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى أو اثنتين، أو ثلاث وتسعين.
(قال: جاء أعرابي) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب وهم: سكان البادية سواء أكانوا عرباً أو عجماً. وقد ورد تسميته: أنه ذو الخويصرة اليماني وكان رجلاً جافياً (فبال في طائفة المسجد) أي في ناحيته، والطائفة: القطعة من الشيء (فزجره الناس) بالزاي فجيم فراء أي نهروه، وفي لفظ: "فقام إليه الناس ليقعوا به"، وفي أخرى: "فقال أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: مه، مه"، (فنهاهم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم) بقوله لهم: "دعوه"، وفي لفظ: "لا تزْرُمُوه" (فلما قضى بوله أمر النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بذنوب) بفتح الذال المعجمة فنون آخره موحدة وهي الدلو الملان ماء، وقيل: العظيمة (من ماء) تأكيد، وإلا فقد أفاده لفظ الذنوب، فهو من باب كتبت بيدي، وفي رواية: "سجلا" بفتح السين المهملة وسكون الجيم، وهو بمعنى الذنوب (فأهريق عليه) أصله: فأريق عليه، ثم أبدلت الهاء من الهمزة فصار فهريق عليه، وهو رواية، ثم زيدت همزة أخرى بعد إبدال الأولى فقيل: فأهريق (متفق عليه) عند الشيخين كما عرفت.
والحديث فيه دلالة: على نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع، وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالماء كسائر المتنجسات، وهل يجزىء في طهارتها غير الماء؟ قيل: تطهرها الشمس والريح؛ فإن تأثيرهما في إزالة النجاسة أعظم إزالة من الماء، ولحديث: "زكاةُ الأرض يُبْسُهَا"، ذكره ابن أبي شيبة. وأجيب: بأنه ذكره موقوفاً، وليس من كلامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كما ذكر عبد الرزاق: حديث أبي قلابة موقوفاً عليه بلفظ: "جُفوفُ الأرض طَهُورُها" فلا تقوم بهما حجة.
والحديث ظاهر في أن صب الماء يطهر الأرض رخوة كانت أو صلبة، وقيل: لا بد من غسل الصلبة كغيرها من المتنجسات، وأرض مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كانت رخوة، فكفى فيها الصب.
وكذلك الحديث ظاهر في أنه لا تتوقف الطهارة على نضوب الماء؛ لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئاً، وهو الذي اختاره المهدي في البحر، وفي أنه لا يشترط حفرها وإلقاء التراب، وقيل: إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يعم أعلاها وأسفلها، ولأنه ورد في بعض طرق الحديث: أنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "خذوا ما بال عليه من التُّراب وألقُوهُ وأهْرِيقوا على مكانه ماء". قال المصنف في التلخيص: له إسنادان موصولان. أحدهما عن ابن مسعود، والاخر عن واثلة بن الأسقع، وفيهما مقال: ولو ثبتت هذه الزيادة لبطل قول من قال: إن أرض مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رخوة، فإنه يقول: لا يحفر ويلقى التراب إلا من الأرض الصلبة.
وفي الحديث فوائد:
منها: احترام المساجد؛ فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لما فرغ الأعرابي من بوله دعاه ثم قال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البَوْل ولا القَذر إنما هي لذكْر الله عزَّ وجلَّ وقراءة القران". ولأن الصحابة لما تبادروا إلى الإنكار أقرهم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإنما أمرهم بالرفق، كما في رواية الجماعة للحديث إلا مسلماً أنه قال: "إنما بُعثْتُم ميسرين ولم تُبْعَثوا مُعَسّرين". ولو كان الإنكار غير جائز لقال إنه لم يأت الأعرابي ما يوجب نهيكم له.
ومنها: الرفق بالجاهل وعدم التعنيف، ومنها حسن خلقه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولطفه بالمتعلم، ومنها أن الإبعاد عند قضاء الحاجة إنما هو لمن يريد الغائط لا البول؛ فإنه كان عُرْفُ العرب عدم ذلك وأقره الشارع، وقد بال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وجعل رجلاً عند عقبه يستره، ومنها دفع أعظم المضرتين بأخفهما؛ لأنه لو قطع عليه بوله لأضر به، وكان يحصل من تقويمه من محله، مع ما قد حصل من تنجيس المسجد، تنجيس بدنه وثيابه ومواضع من المسجد غير الذي قد وقع فيه البول أولاً.