عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تَشْرَبُوا في انيةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهِمَا، فإنها لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ"، متفق عليه.
 
الآنية جمع إناء وهو معروف؛ وإنما بوب لها، لأنّ الشارع قد نهى عن بعضها، فقد تعلّقت بها أحكام.
عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا تَشْرَبُوا في انيةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهِمَا، فإنها لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ"، متفق عليه.
(عن حذيفة) أي: أروي، أو أذكر، كما سلف، وحذيفة بضم الحاء المهملة فذال معجمة فمثناة تحتية ساكنة ففاء، هو أبو عبد الله حذيفة (بن اليمان) بفتح المثناة التحتية وتخفيف الميم اخره نون، وحذيفة وأبوه صحابيان جليلان شهدا أحداً، وحذيفة صاحب سرّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وروى عنه جماعة من الصحابة، والتابعين. ومات بالمدائن سنة خمس، أو ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: لا تشربوا في انية الذَّهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما) جمع صحفة. قال الكشاف والكسائي: الصحفة هي ما تشبع الخمسة (فإنها) أي انية الذهب والفضة وصحافهما (لهم) أي: للمشركين، وإن لم يذكروا فهم معلومون (في الدنيا) إخبار عما هم عليه، لا إخبار بحلها لهم، (ولكم في الاخرة، متفق عليه) بين الشيخين.
والحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في انية الذهب والفضة، وصحافهما، سواء كان الإناء خالصاً ذهباً أو مخلوطاً بالفضة، إذ هو بما يشمله أنه إناء ذهب وفضة. قال النووي: إنه انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيهما.
واختلف في العلة:
فقيل: للخيلاء.
وقيل: بل لكونه ذهباً وفضة.
واختلفوا في الإناء المطلي بهما: هل يلحق بهما في التحريم، أم لا؟
فقيل: إن كان يمكن فصلهما حرم إجماعاً؛ لأنه مستعمل للذهب والفضة، وإن كان لا يمكن فصلهما لا يحرم. وأما الإناء المضبب بهما، فإنه يجوز الأكل والشرب فيه إجماعاً.
وهذا في الأكل والشرب فيما ذكر لا خلاف فيه، فأما غيرهما من سائر الاستعمالات، ففيه الخلاف:
قيل: لا يحرم: لأن النص لم يرد إلا في الأكل والشرب. وقيل: يحرم سائر الاستعمالات إجماعاً.
ونازع في الأخير بعض المتأخرين وقال: النص ورد في الأكل والشرب لا غير، وإلحاق سائر الاستعمالات بها قياساً لا تتم فيه شرائط القياس.
والحقّ ما ذهب إليه القائل: بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما؛ إذ هو الثابت بالنص، ودعوى الإجماع غير صحيحة، وهذا من شؤم تبديل اللفظ النبوي بغيره؛ فإنه ورد بتحريم الأكل والشرب فقط، فعدلوا عن عبارته إلى الاستعمال، وهجروا العبارة النبوية، وجاءوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم، ولها نظائر في عباراتهم. ولهذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا؛ لإفادة تحريم الوضوء في انية الذهب والفضة؛ لأنه استعمال لهما على مذهبه في تحريم ذلك، وإلاّ فباب هذا الحديث باب الأطعمة والأشربة.
ثم هل يلحق بالذهب والفضة نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر؟ فيه خلاف، والأظهر عدم إلحاقه، وجوازه على أصل الإباحة؛ لعدم الدليل الناقل عنها.