(وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ قَدَحَ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم انْكَسَرَ، فاتّخَذَ مَكَانَ الشّعْبِ سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
 
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن قدح النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم انكسر، فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة لفظ مشترك بين معان. والمراد منها هنا: الصدع والشق (سلسلة من فضة) في القاموس سلسلة بفتح أوله وسكون اللام وفتح السين الثانية منها: إيصال الشيء بالشيء، أو سلسلة بكسر أوله: دائر من حديد ونحوه، والظاهر أن المراد الأول، فيقرأ بفتح أوله (أخرجه البخاري).
وهو دليل على جواز تضبيب الإناء بالفضة، ولا خلاف في جوازه كما سلف. إلا أنه هنا قد اختلف في واضع السلسلة، فحكى البيهقي عن بعضهم: أن الذي جعل السلسلة هو أنس بن مالك، وجزم به ابن الصلاح، وقال أيضاً: فيه نظر؛ لأن في البخاري من حديث عاصم الأحول: "رأيت قدح النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عند أنس بن مالك، فكان قد انصدع، فسلسله بفضة".
وقال ابن سيرين: إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: "لا تغيرن شيئاً صنعه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فتركه" هذا لفظ البخاري. وهو يحتمل أن يكون الضمير في قوله فسلسله بفضة عائد إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ويحتمل أن يكون عائداً إلى أنس كما قال البيهقي، إلا أن اخر الحديث يدل للأول، وأن القدح لم يتغير عما كان عليه على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. قلت: والسلسلة غير الحلقة التي أراد أنس تغييرها، فالظاهر: أن قوله فسلسله هو النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وهو حجة لما ذكره.