وعن أبي السّمْحِ رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، ويُرشُّ مِنْ بَوْلِ الغُلامِ" أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكمُ.
 

(وعن أبي السمح) بفتح السين المهملة وسكون الميم فحاء مهملة، واسمه إياد بكسر الهمزة ومثناة تحتية مخففة بعد الألف دال مهملة، وهو خادم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له حديث واحد (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يُغْسَلُ من بَوْلِ الجارية) في القاموس: أن الجارية فتية النساء (ويرش منْ بَوْل الغُلام" أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه الحاكم).
وأخرج الحديث أيضاً البزار، وابن ماجه، وابن خزيمة من حديث أبي السمح قال: "كنت أخدم النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فأتي بحسن أو حسين، فبال على صدره فجئت أغسله، فقال: "يغسل من بول الجارية"، الحديث. وقد رواه أيضاً أحمد، وأبو داود وابن خزيمة، وابن ماجه، والحاكم من حديث لبابة بنت الحارث قالت: "كان الحسين وذكرت الحديث" وفي لفظه: "يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر" ورواه المذكورون، وابن حبان من حديث علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في بول الرضيع: "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية" قال قتادة راويه: هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا. وفي الباب أحاديث مرفوعة، وهي كما قال الحافظ البيهقي: إذا ضم بعضها إلى بعض قويت.
والحديث دليل على الفرق بين بول الغلام وبول الجارية في الحكم، وذلك قبل أن يأكلا الطعام، كما قيده به الراوي، وقد روي مرفوعاً أي بالتقييد بالطعم لهما. وفي صحيح ابن حبان، والمصنف لابن أبي شيبة عن ابن شهاب: "مضت السنة أن يرش بول من لم يأكل الطعام من الصبيان"، والمراد ما لم يحصل لهم الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال؛ وقيل: غير ذلك.
وللعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب:
الأول: للهادوية، والحنفية، والمالكية، أنه يجب غسلها كسائر النجاسات قياساً لبولهما على سائر النجاسات، وتأولوا الأحاديث، وهو تقديم للقياس على النص.
الثاني: وجه للشافعية، وهو أصح الأوجه عندهم: أنه يكفي النضح في بول الغلام، لا الجارية، فكغيرها من النجاسات، عملاً بالأحاديث الواردة بالتفرقة بينهما، وهو قول علي عليه السلام، وعطاء، والحسن، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.
والثالث: يكفي النضح فيهما وهو كلام الأوزاعي. وأما هل بول الصبي طاهر أو نجس؟ فالأكثر: على أنه نجس، وإنما خفف الشارع تطهيره.
واعلم أن النضح كما قاله النووي في شرح مسلم: هو أن الشيء الذي أصابه البول يغمر، ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء، وتردده، وتقاطره، بخلاف المكاثرة في غيره؛ فإنه يشترط أن تكون بحيث يجري عليها بعض الماء، ويتقاطر من المحل، وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح المختار، وهو قول إمام الحرمين، والمحققين.