وعن عليٍّ رضي الله عنه أنّهُ قال: لَوْ كان الدِّينُ بالرأي لكان أسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاهُ، وقَدَ رَأَيْتُ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَمْسَحُ على ظاهِرِ خُفّيْهِ، أخرجه أبو داود بإسنادٍ حَسَنٍ.
 

قوله: (وعن علي عليه السلام، أنه قال: ــــ لو كانَ الدِّين بالرأي) أي بالقياس وملاحظة المعاني (لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) أي ما تحت القدمين أولى بالمسح من الذي هو على أعلاهما؛ لأنه الذي يباشر المشي، ويقع على ما ينبغي إزالته، بخلاف أعلاه، وهو ما على ظهر القدم (وقد رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَمْسَحُ على ظاهرِ خفيه، أخرجه أبو داود بإسناد حسن) وقال المصنف في التلخيص: إنه حديث صحيح.
والحديث فيه إبانة لمحل المسح على الخفين، وأنه ظاهرهما، لا غير، ولا يمسح أسفلهما.
وللعلماء في ذلك قولان: أحدهما أن يغمس يديه في الماء، ثم يضع باطن كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه. وهذا للشافعي. واستدل لهذه الكيفية بما ورد في حديث المغيرة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مسح على خفيه، ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، كأني أنظر أصابعه على الخفين" رواه البيهقي، وهو منقطع، على أنه لا يفي بتلك الصفة.
وثانيهما: مسح أعلى الخف دون أسفله، وهي التي أفادها حديث علي عليه السلام هذا.
وأما القدر المجزىء من ذلك: فقيل: لا يجزىء إلا قدر ثلاث أصابع، وقيل: ولو بأصبع، وقيل: لا يجزىء إلا إذا مسح أكثره، وحديث علي، وحديث المغيرة المذكوران في الأصل ليس فيهما تعرض لذلك. نعم قد روى عن علي عليه السلام: أنه رأى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يمسح على ظهر الخف خطوطاً بالأصابع. قال النووي: إنه حديث ضعيف. وروى عن جابر: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أرى بعض من علمه المسح، أن يمسح بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه". قال المصنف: إسناده ضعيف جداً. فعرفت أنه لم يرد في الكيفية، ولا الكمية حديث يعتمد عليه إلا حديث علي في بيان المسح. والظاهر أنه إذا فعل المكلف ما يسمى مسحاً على الخف لغة أجزأه. وأما مقدار زمان جواز المسح فقد أفاده الحديث.