وعن بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوانَ رضي الله عنها: أنَّ رسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ" أخرجه الخَمْسَةُ، وصَحّحهُ التِّرمِذيُّ وابن حِبّانَ، وقالَ البُخاريُّ: هُوَ أصَحُّ شيءٍ في هذا الْبَابِ.
 

(وعن بسرة) تقدم ضبط لفظها، وهي (بنت صفوان) بن نوفل القرشية الأسدية، كانت من المبايعات له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، روى عنها عبد الله بن عمر، وغيره: (أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: مَنْ مَسَّ ذَكرهُ فليتوضأ. أخرجه الخمسة، وصححه الترمذي، وابن حبان، وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب) ، وأخرجه أيضاً الشافعي، وأحمد، وابن خزيمة، والحاكم، وابن الجارود. وقال الدارقطني: صحيح ثابت. وصححه يحيى بن معين، والبيهقي، والحازمي.
والقدح فيه: بأنه رواه عروة عن مروان، أو عن رجل مجهول: غير صحيح، فقد ثبت: أن عروة سمعه من بسرة من غير واسطة، كما جزم به ابن خزيمة، وغيره من أئمة الحديث.
وكذلك القدح فيه: بأن هشام بن عروة الراوي له عن أبيه لم يسمعه من أبيه: غير صحيح؛ فقد ثبت: أنه سمعه من أبيه، فاندفع القدح وصح الحديث. وبه استدل مَنْ سمعت من الصحابة، والتابعين، وأحمد، والشافعي: على نقض مس الذكر للوضوء، والمراد مسه من غير حائل؛ لأنه أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، ليس دونها حجاب ولا ستر، فقد وجب عليه الوضوء" وصححه الحاكم، وابن عبد البر. قال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب.
وزعمت الشافعية أن الإفضاء لا يكون إلا بباطن الكف، وأنه لا نقض إذا مس الذكر بظاهر كفه. وردّ عليهم المحققون بأن الإفضاء لغة: الوصول: أعمّ من أن يكون بباطن الكف، أو ظهرها. قال ابن حزم: لا دليل على ما قالوه لا من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأي صحيح.
وأيدت أحاديث بسرة أحاديث أخر، عن سبعة عشر صحابياً مخرجة في كتب الحديث، ومنهم طلق بن علي راوي حديث عدم النقض، وتأول مَنْ ذكر حديثه في عدم النقض. بأنه كان في أول الأمر؛ فإنه قدم في أول الهجرة قبل عمارته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مسجده، فحديثه منسوخ بحديث بسرة؛ فإنها متأخرة في الإسلام.
وأحسن من القول بالنسخ القول بالترجيح؛ فإن حديث بسرة أرجح؛ لكثرة من صححه من الأئمة، ولكثرة شواهده؛ ولأن بسرة حدثت به في دار المهاجرين والأنصار، وهم متوافرون، ولم يدفعه أحد، بل علمنا أن بعضهم صار إليه، وصار إليه عروة عن روايتها، فإنه رجع إلى قولها، وكان قبل ذلك يدفعه، وكان ابن عمر يحدث به عنها، ولم يزل يتوضأ من مس الذكر إلى أن مات.
قال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق بن علي: أنه لم يخرجه صاحبا الصحيح، ولم يحتج بأحد من رواته، وقد احتج بجميع رواة حديث بسرة، ثم إن حديث طلق من رواية قيس بن طلق.
قال الشافعي: قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه، فما يكون لنا قبول خبره.
وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: قيس بن طلق ليس فيمن تقوم به حجة، ووهياه.
وأما مالك، فلما تعارض الحديثان قال بالوضوء من مس الذكر ندباً لا وجوباً.