وعن عبد الله بن أبي بَكْرٍ ــــ رضيَ الله عنهُ ــــ: أنَّ في الكتابِ الذي كَتَبَهُ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لِعَمْرِو بن حَزْمِ: "أنْ لا يَمسَّ القْرْانَ إلَّا طاهِرٌ". رَوَاهُ مَالكٌ مرسلاً، ووصَلَهُ النّسائيُّ وابن حِبّانَ، وهُو مَعْلُولٌ.
 


(وعن عبد الله بن أبي بكر) هو ابن أبي بكر الصدق، أمه وأم أسماء واحدة، أسلم قديماً، وشهد مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الطائف، وأصابه سهم انقض عليه بعد سنين فمات منه في شوال سنة إحدى عشرة، وصلى عليه أبوه: (إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لعمرو بن حزم) هو عمرو بن حزم بن زيد الخزرجي النجاري، يكنى أبا الضحاك، أول مشاهدن الخندق، واستعمله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين، ويعلمهم القران، ويأخذ صدقاتهم، وكتب له كتاباً فيه الفرائض، والسنن، والصدقات، والديات. وتوفي عمرو بن حزم في خلافة عمر بالمدينة، ذكر هذا ابن عبد البر في الاستيعاب: (أنْ لا يمَسَّ القُران إلا طاهرٌ رواه مالك مرسلاً، ووصله النسائي، وابن حبان، وهو معلول).
حقيقة المعلول: الحديث الذي يطلع على الوهم فيه بالقرائن، وجمع الطرق فيقال له: معلل ومعلول، والأجود أن يقال فيه المعل: من أعله. والعلة عبارة عن أسباب خفية غامضة طرأت على الحديث، فأثرت فيه، وقدحت. وهو من أغمض أنواع علوم الحديث، وأدقها، ولا يقوم بذلك إلا من رزقه الله فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد، والمتون.
وإنما قال المصنف: إن هذا الحديث معلول؛ لأن من رواية سليمان بن داود، وهو متفق على تركه، كما قال ابن حزم، ووهم في ذلك؛ فإنه ظن أنه سليمان بن داود اليماني، وليس كذلك بل هو سليمان بن داود الخولاني، وهو ثقة، أثنى عليه أبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن سعيد، وجماعة من الحفاظ، واليماني هو المتفق على ضعفه.
وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول. قال ابن عبد البر: إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول. وقال يعقوب بن سفيان: لا أعلم كتاباً أصح من هذا الكتاب؛ فإن أصحاب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، والتابعين يرجعون إليه، ويدَعون رأيهم. قال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز، وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب.
وفي الباب من حديث حكيم بن حزام: "لا يمس القران إلا طاهر"، وإن كان في إسناده مقال، إلا أنه ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث عبد الله بن عمر: أنه قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" قال الهيثمي: رجاله موثقون، وذكر له شاهدين، ولكنه يبقي النظر في المراد من الطاهر، فإنه لفظ مشترك يطلق عليه الطاهر من الحدث الأكبر، والطاهر من الحدث الأصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة، وأما قوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}. والمصنف ذكر الحديث لئلا يتوهم أن نواقض الوضوء مانعة من ذكر الله تعالى.
فالأوضح أن الضمير للكتاب المكنون الذي سبق ذكره في صدر الآية وأن "المطهرون" هم الملائكة.