وعَنْهَا: أنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كانَ إذا خرَجَ مِنَ الغائطِ قالَ: "غُفْرانَكَ". أخرجه الخمسةُ. وصحّحهُ الحَاكِمُ وأَبُو حَاتِمٍ.
 

(وعنها) أي عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك) بالنصب على أنه مفعول فعل محذوف: أي: أطلب غفرانك (أخرجه الخمسة وصححه الحاكم وأبو حاتم).
ولفظة "خرج" تشعر بالخروج من المكان كما سلف في لفظ "دخل"، ولكن المراد أعم منه، ولو كان في الصحراء.
قيل: واستغفاره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من تركه لذكر الله وقت قضاء الحاجة؛ لأنه كان يذكر الله على كل أحيانه، فجعل تركه لذكر الله في تلك الحال تقصيراً، وعدّه على نفسه ذنباً، فتداركه بالاستغفار.
وقيل: معناه التوبة من تقصيره في شكر نعمته التي أنعم بها عليه، فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه، فرأى شكره قاصراً عن بلوغ حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه، وهذا أنسب ليوافق حديث "أنس قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. رواه ابن ماجه. وورد في وصف نوح عليه السلام: أنه كان يقول من جملة شكره بعد الغائط: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ولو شاء حبسه فيّ". وقد وصفه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بأنه كان عبداً شكوراً.
قلت: ويحتمل أن استغفاره للأمرين معاً، ولما لا نعلمه، على أنه يقال: إنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإن ترك الذكر بلسانه حال التبرز لم يتركه بقلبه.
وفي الباب من حديث أنس: كان صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: "الحمد لله الذي أحسن إليَّ في أوله واخره".
وحديث ابن عمر: أنه كان يقول إذا خرج: "الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيَّ قوته وأذهب عني أذاه". وكل أسانيدها ضعيفة.
وقال أبو حاتم: أصح ما فيه حديث عائشة.
قلت: لكنه لا بأس في الإتيان بها جميعاً شكراً على النعمة، ولا يشترط الصحة للحديث في مثل هذا.