حكم الغسل
 

باب الغسل وحكم الجنب
الغُسل بضم الغين المعجمة: اسم للاغتسال.
وقيل: إذا أريد به الماء فهو مضموم، وأما المصدر فيجوز فيه الضم والفتح.
وقيل: المصدر بالفتح، والاغتسال بالضم.
وقيل: إنه بالفتح فعل المغتسل، وبالضم الذي يغتسل به. وبالكسر ما يجعل مع الماء كالأشنان (وحكم الجنب) أي: الأحكام المتعلقة بمن أصابته جنابة.
عَنْ أبي سعيدٍ الْخُدْري رضي الله تعالى عنه قالَ: قالَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الماءُ مِنَ الماءِ" رواه مُسلمٌ، وأصْلُهُ في البخاريِّ.
أي: الاغتسال من الإنزال، فالماء الأول المعروف، والثاني المني، وفيه من البديع الجناس التام. وحقيقة الاغتسال إفاضة الماء على الأعضاء.
واختلف في وجوب الدلك: فقيل: يجب.
وقيل: لا يجب. والتحقيق أن المسألة لغوية: فإن الوارد في القران الغسل في أعضاء الوضوء، فيتوقف إثبات الدلك فيه على أنه من مسماه. وأما الغسل فورد بلفظ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وهذا اللفظ فيه زيادة على مسمى الغسل، وأقلها الدلك. وما عدل عز وجل في العبارة إلا لإفادة التفرقة بين الأمرين. فأما الغسل فالظاهر أنه ليس من مسماه الدلك؛ إذ يقال: غسله العرق، وغسله المطر، فلا بد من دليل خارجي على شريطة الدلك في غسل أعضاء الوضوء، بخلاف غسل الجنابة والحيض، فقد ورد فيه بلفظ التطهير كما سمعت، وفي الحيض: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} إلا أنه سيأتي في حديث عائشة وميمونة ما يدل على أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم اكتفى في إزالة الجنابة بمجرد الغسل، وإفاضة الماء من دون الدلك، فالله أعلم بالنكتة التي لأجلها عبّر في التنزيل عن غسل أعضاء الوضوء بالغسل، وعن إزالة الجنابة بالتطهير، مع الاتحاد في الكيفية.
وأما المسح، فإنه الإمرار على الشيء باليد، يصيب ما أصاب، ويخطىء ما أخطأ، فلا يقال: لا يبقى فرق بين الغسل والمسح إذا لم يشترط الدلك.
وحديث الكتاب ذكره مسلم، كما نسبه المصنف إليه في قصة عتبان بن مالك، ورواه أبو داود، وابن خزيمة، وابن حبان بلفظ الكتاب، وروى البخاري القصة ولم يذكر الحديث. ولذا قال المصنف: وأصله في البخاري وهو: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال لعتبان بن مالك: "إذا أعجلت أو أقحطت فعليك الوضوء". والحديث له طرق عن جماعة من الصحابة عن أبي أيوب، وعن رافع بن خديج، وعن عتبان بن مالك، وعن أبي هريرة، وعن أنس.
والحديث دالّ بمفهوم الحصر المستفاد من تعريف المسند إليه. وقد ورد عند مسلم بلفظ: "إنما الماء من الماء" على أنه لا غسل إلا من الإنزال، ولا غسل من التقاء الختانين، وإليه ذهب داود، وقليل من الصحابة، والتابعين. وفي البخاري: "أنه سئل عثمان عمن يجامع امرأته، ولم يمن، فقال: يتوضأ، كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره".
وقال عثمان: سمعته من رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. وبمثله قال علي، والزبير، وطلحة، وأبيّ ابن كعب، وأبو أيوب، ورفعه إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ثم قال البخاري: الغسل أحوط.
وقال الجمهور: هذا المفهوم منسوخ بحديث أبي هريرة الآتي: