وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمعَةِ فبهَا وَنِعْمَتْ، ومَنْ اغْتَسَلَ فالْغُسْلُ أَفْضَلُ". رواه الخمْسَةُ وحسّنهُ الترمذيُّ.
 

(وعن سمرة) تقدم ضبطه (ابن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها موحدة، هو أبو سعيد في أكثر الأقوال. سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار، نزل الكوفة، وولي البصرة، وعداده في البصريين، كان من الحفاظ المكثرين بالبصرة. مات اخر سنة تسع وخمسين (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ تَوَضأ يَوْمَ الجُمُعة فبها) أي بالسنة أخذ (ونعمتْ) السنة، أو بالرخصة أخذ ونعمت؛ لأن السنة الغسل. أو بالفريضة أخذ، ونعمت الفريضة؛ فإن الوضوء هو الفريضة (ومن اغتسل فالغسل أفْضَلُ" رواه الخمسة، وحسنه الترمذي) ، ومن صحّح سماع الحسن من سمرة قال: الحديث صحيح، وفي سماعه منه خلاف.
والحديث: دليل على عدم وجوب الغسل، وهو كما عرفت دليل الجمهور على ذلك، وعلى تأويل حديث الإيجاب، إلا أنّ فيه سؤالاً، وهو: أنه كيف يفضّل الغسل ــــ وهو سنة ــــ على الوضوء ــــ وهو فريضة ــــ والفريضة أفضل إجماعاً.
والجواب: أنه ليس التفضيل على الوضوء نفسه، بل على الوضوء الذي لا غسل معه، كأنه قال: مَنْ توضأ، واغتسل، فهو أفضل ممن توضأ فقط. ودلّ لعدم الفرضية أيضاً حديث مسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع، وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام".
ولداود أن يقول: هو مقيد بحديث الإيجاب. فالدليل الناهض حديث سمرة، وإن كان حديث الإيجاب أصح، فإنه أخرجه السبعة، بخلاف حديث سمرة، فلم يخرجه الشيخان؛ فالأحوط للمؤمن أن لا يترك غسل الجمعة. وفي الهدي النبوي: الأمر بالغسل يوم الجمعة مؤكد جداً، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوء من مس النساء، ووجوبه من مس الذكر، ووجوبه من القهقهة في الصلاة، ومن الرعاف، ومن الحجامة، والقيء.