وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يُقرِئُنا القُران ما لم يكنْ جُنُباً. روَاهُ أحمد والخمْسة، وهَذَا لَفظُ الترْمِذِيِّ وحسّنَهُ، وصحّحهُ ابنُ حِبّان.
 

(وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقرئنا القران ما لم يكن جُنُباً. رواه أحمد والخمسة).
هكذا في نسخ بلوغ المرام. والأولى: والأربعة وقد وجد في بعضها. كذلك (وهذا لفظ الترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان) ، وذكر المصنف في التلخيص: أنه حكم بصحته الترمذي، وابن السكن، وعبد الحق، والبغوي، وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة أنه قال: هذا الحديث ثلث رأس مالي، وما أحدِّث بحديث أحسن منه. وأما قول النووي: خالف الترمذيَّ الأكثرون فضعفوا هذا الحديث، فقد قال المصنف: إنّ تخصيصه للترمذي بأنه صححه: دليل على أنه لم يَرَ تصحيحه لغيره، وقد قدّمنا من صحّحه غير الترمذي، وروى الدارقطني عن علي موقوفاً: "اقرأوا القران ما لم تصب أحدكم جنابة، فإن أصابته فلا، ولا حرفاً"، وهذا يعضد حديث الباب.
إلا أنه قال ابن خزيمة: لا حجة في الحديث لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه نهي؛ وإنما هي حكاية فعل، ولم يبيّن صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه إنما امتنع عن ذلك لأجل الجنابة. وروى البخاري عن ابن عباس: "أنه لم ير بالقراءة للجنب بأساً"، والقول به رواية: "لم يكن يحجب النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أو يحجزه عن القران شيء سوى الجنابة" أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبزار، والدارقطني، والبيهقي: أصرح في الدليل على تحريم القراءة على الجنب من حديث الباب: غير ظاهر؛ فإن الألفاظ كلها إخبار عن تركه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم القران حال الجنابة، ولا دليل في الترك على حكم معين.
وتقدم حديث عائشة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يذكر الله على كل أحيانه"، وقدّمنا أنه مخصص بحديث علي عليه السلام هذا، ولكن الحق أنه لا ينهض على التحريم، بل يحتمل أنه ترك ذلك حال الجنابة للكراهة، أو نحوها، إلا أنه أخرج أبو يعلى من حديث علي عليه السلام قال: "رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم توضأ، ثم قرأ شيئاً من القران، ثم قال هكذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا اية". قال الهيثمي: رجاله موثقون، وهو يدل على التحريم؛ لأنه نهي، وأصله ذلك، ويعاضد ما سلف.
وأما حديث ابن عباس مرفوعاً: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: بسم الله" الحديث، فلا دلالة فيه على جواز القراءة للجنب؛ لأنه يأتي بهذا اللفظ غير قاصد للتلاوة، ولأنه قبل غشيانه أهله وصيرورته جنباً. وحديث ابن أبي شيبة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا غشى أهله فأنزل قال: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيباً" ليس فيه تسمية، فلا يرد به إشكال.