وعن أبي هُريرة رضيَ الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله: "الصَّعيدُ وَضُوءُ المُسلم، وإن لم يجد الماءَ عشْرَ سنين. فإذا وَجَدَ الماءَ فلْيَتّقِ الله ولْيُمِسَّهُ بشرتَهُ". رواه البزَّارُ وصحّحهُ ابن القطّان، لكنْ صَوَّبَ الدارقطني إرسالَهُ".
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: الصعيد) هو عند الأكثرين التراب. وعن بعض أئمة اللغة: أنه وجه الأرض، تراباً كان، أو غيره، وإن كان صخراً لا تراب عليه. وتقدم الكلام في ذلك. (وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فيه: دليل على تسمية التيمم وضوءاً (فإذا وَجَدَ) أي المسلم (الماء فليتق الله ولْيُمِسه بشرته. رواه البزار، وصححه ابن القطان). تقدم الكلام على ضبط ألفاظهما والتعريف بحالهما (لكن صوب الدارقطني إرساله) قال الدارقطني في كتاب العلل: إرساله أصح.
وفي قوله: "إذا وجد الماء" دليل على أنه إن وجد الماء وجب إمساسه بشرته، وتمسك به من قال: إن التراب لا يرفع الحدث، وإن المراد: أن يمسه بشرته لما سلف من جنابة، فإنها باقية عليه، وإنما أباح له التراب الصلاة، لا غير، وإذا فرغ منها عاد عليه حكم الجنابة؛ ولذا قالوا: لا بد لكل صلاة من تيمم. واستدلوا بحديث عمرو بن العاص؛ وقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له: "أصليت بأصحابك وأنت جنب؟"، وقول الصحابة له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إن عمراً صلى بهم وهو جنب، فأقرهم على تسميته جنباً. ومنهم من قال: "إن التراب حكمه حكم الماء يرفع الجنابة، ويصلي به ما شاء، وإذا وجد الماء لم يجب عليه أن يمسه إلا للمستقبل من الصلاة، واستدلوا: بأنه تعالى جعله بدلاً من الماء، فحكمه حكمه، وبأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سماه طهوراً، وسماه وضوءاً، كما سلف قريباً.
والحق أن التيمم يقوم مقام الماء، ويرفع الجنابة رفعاً مؤقتاً إلى حال وجدان الماء؛ أما أنه قائم مقام الماء، فلأنه تعالى جعله عوضاً عنه عند عدمه، والأصل أنه قائم مقامه في جميع أحكامه، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل. وأما أنه إذا وجد الماء اغتسل؛ فلتسميته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عمراً جنباً، ولقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإذا وجد الماء فليتق الله"، فإن الأظهر أنه أمر بإمساسه الماء لسبب قد تقدم على وجدان الماء؛ إذ إمساسه لما يأتي من أسباب وجوب الغسل، أو الوضوء، معلوم من الكتاب والسنة، والتأسيس خير من التأكيد.