وللترْمذيِّ عنْ أبي ذَرٍّ نَحْوُهُ، وصححهُ.
 

(وللترمذي عن أبي ذر) بذال معجمة مفتوحة فراء، اسمه جندب بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضاً، ابن جنادة بضم الجيم وتخفيف النون بعد الألف دال مهملة. وأبو ذر من أعيان الصحابة، وزهّادهم، والمهاجرين؛ وهو أول من حيّا النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بتحية الإسلام، وأسلم قديماً بمكة يقال: كان خامساً في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه: إلى أن قدم المدينة على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بعد الخندق، ثم سكن بعد وفاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الربذة، إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان، وصلى عليه ابن مسعود، ويقال: إنه مات بعده بعشرة أيام (نحوُه) أي: نحو حديث أبي هريرة، ولفظه: "قال أبو ذر: اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بإبل، فكنت فيها، فأتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقلت: هلك أبو ذر، قال ما حالك؟ قلت: كنت أتعرض للجنابة، وليس قربي ماء. قال: الصعيد طهور لمن لم يجد الماء، ولو عشر سنين" (وصححه) أي: حديث أبي ذر الترمذي، قال المصنف في الفتح: إنه صححه أيضاً ابن حبان، والدارقطني.
وعنْ أبي سعيدٍ الْخُدْري رضي الله عنه قالَ: خرَجَ رجُلانِ في سَفَرٍ، فَحَضَرتِ الصَّلاةُ ــــ وليسَ مَعهُمَا ماءٌ ــــ فتَيمّما صَعيداً طَيِّباً، فصَلّيا، ثمَّ وَجَدَا الماءَ في الوقْتِ. فأعادَ أحَدُهُمَا الصلاة والوُضُوءَ، ولمْ يُعِدِ الاخَرُ، ثمَّ أتَيَا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فذكرا ذلك لهُ، فقالَ للذي لمْ يُعِدْ: "أصَبْتَ السُّنّةَ وأجْزأَتْكَ صلاتُكَ" وقالَ لِلآخَرِ: "لَكَ الأجْرُ مَرَّتَيْنِ". رواه أبو داود، والنّسائيُّ.
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمما صعيداً طيباً) هو الطاهر الحلال، وقد قيّد الله الصعيد به في الايتين في القران، فإطلاقه في حديث أبي هريرة مقيد بالايات، والأحاديث (فصليا ثم وجدا الماء في الوقت) أي: وقت الصلاة التي صليا (فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء) سماه إعادة تغليباً، وإلا فلم يكن قد توضأ، أو سمي التيمم وضوءاً مجازا (ولم يعد الاخر، ثم أتيا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: "أصَبْتَ السُّنة") أي: الطريقة الشرعية (وأجْزَأتْكَ صلاتُك) لأنها وقعت في وقتها، والماء مفقود، فالواجب التراب (وقال للاخر) الذي أعاد: (لَكَ الأجْرُ مرَّتين) أجر الصلاة بالتراب، وأجر الصلاة بالماء (رواه أبو داود، والنسائي).
وفي مختصر السنن للمنذري: أنه أخرجه النسائي مسنداً، ومرسلاً. وقال أبو داود: إنه مرسل عن عطاء بن يسار. لكن قال المصنف: هذه الرواية رواها ابن السكن في صحيحه، وله شاهد من حديث ابن عباس، رواه إسحاق في مسنده: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بال، ثم تيمم، فقيل له: إن الماء قريب منك، قال: فلعلي لا أبلغه".
والحديث دليل على جواز الاجتهاد في عصره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وعلى أنه لا يجب الطلب والتلوم له: أي الانتظار، ودل على أنه لا تجب الإعادة على من صلى بالتراب، ثم وجد الماء في الوقت بعد الفراغ من الصلاة.
وقيل: بل يعيد الواجد في الوقت؛ لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته". وهذا قد وجد الماء.
وأجيب: بأنه مطلق فيمن وجد الماء بعد الوقت، وقبل خروجه، وحال الصلاة، وبعدها. وحديث أبي سعيد هذا فيمن لم يجد الماء في الوقت حال الصلاة، فهو مقيد فيحمل عليه المطلق، فيكون معناه: فإذا وجدت الماء قبل الصلاة في الوقت فأمسه بشرتك، أي: إذا وجدته، وعليك جنابة متقدمة، فيقيد به، كما قدمنا.
واستدل القائل بالإعادة في الوقت: بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـ كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} والخطاب متوجه مع بقاء الوقت.
وأجيب: بأنه بعد فعل الصلاة لم يبق للخطاب توجه إلى فاعلها، كيف؟ وقد قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "وأجزأتك صلاتك" للذي لم يعد، إذ الإجزاء: عبارة عن كون الفعل مسقطاً لوجوب إعادة العبادة، والحق أنه قد أجزأه.

الموضوع التالي


وعن ابن عباس رضي الله عنهمَا: في قوله عزَّ وجلَّ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} قال: إذا كانتْ بالرَّجُل الجراحَةُ في سبيلِ الله والقرُوحُ، فيجنِبُ، فيخافُ أن يموت إن اغتسل، تيمم. روَاهُ الدارقطني مَوْقُوفاً، ورَفَعَهُ البَزَّارُ، وصححهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، والحاكِمُ.